المرونة الجديدة وتحدي العولمة الاقتصادية «2 من 2»

تساعد الإنتاجية على معالجة بعض التحديات الاقتصادية ومؤشرات النمو المستمرة، إلا أنها لا تعطينا إطارا فكريا شاملا يمكن أن يضاهي تركيز الليبرالية الجديدة على الكفاءة الإنتاجية. إن أكثر ما يثير قلق الإنتاجية هو عدم العدالة الاجتماعية وما يصاحبها من استياء ناتج عن السياسات المؤيدة للسوق ومتطلباتها الجديدة.
وحقيقة أن إعادة الإنتاج إلى البلد الأصلي وإعادة بناء البنية التحتية، تمثل طرقا لإدارة بعض المخاطر الناتجة عن الاعتماد الاقتصادي المتبادل وتغير المناخ. والمتغيرات البيئية المتنوعة من فيضانات وأمطار وارتفاع درجات الحرارة والعواصف والكواراث الطبيعية، كان لها دور في هذا الوضع. لكن النموذج الذي يضع المرونة في الصدارة سيتمكن من الاستجابة لكل تلك المشكلات بشكل أعمق، وستكون له تطبيقات أشمل، وسواء كان التركيز على المجتمعات أو الاقتصادات أو البيئة، فإن المرونة تمثل قيمة منهجية أكثر أهمية مقارنة بالفاعلية أو الإنتاج.
يعرف كثيرون المرونة أنها القدرة على امتصاص الصدمات والتكيف من أجل الاستمرار في العمل، لكنها أيضا مفهوما يتعلق بالأنظمة، أي أنها شيء يمكن قياسه وتصميمه. إن المرونة تنقل تركيز تحليل السياسات بعيدا عن القرارات المتخذة بشكل فردي وباتجاه تأثير تلك القرارات بمرور الوقت في النظام كله، وعليه فإنها لا تشجع على الاهتمام المفرط بمقياس واحد مثل الناتج المحلي الإجمالي أو العوائد قصيرة الأجل، بل تشجع على وجود توازن بين التنويع والتركيز وبين الاستقلال والاعتماد المتبادل.
قد تسهم الكفاءة في المرونة من خلال زيادة العوائد والقدرة على التكيف، لكن ليس عندما يتم دفعها إلى أقصى حد ولدرجة أن تؤدي إلى هشاشة منهجية. مثل الإنتاجية، فإن من السابق لأوانه تصور نموذج للسياسات مكتمل يقوم على أساس المرونة. لكن هذا المفهوم يمتلك بالفعل نفوذا فكريا كبيرا تم تطويره عبر عديد من التخصصات وتطبيقه في مجالات السياسات المختلفة. إن مفهوم المرونة يعد أساسيا للتكيف مع تغير المناخ، وإدارة الكوارث، والتنمية المستدامة، حيث يطبقه المخططون الحضريون على تصميم مدن تكون أكثر قدرة على تحمل عدم الاستقرار المناخي، كما يستخدمه المتخصصون في التنمية للنظر في كيفية استجابة المجتمعات المعرضة لخطر للكوارث. تجذب المرونة أيضا كثيرين في دوائر الأمن القومي وقطاع الأعمال العالمي الذين يتوقعون تعطل الإمدادات الحيوية أو البنية التحتية الحيوية بسبب الأنواء المناخية الشديدة أو الأعمال العدائية.
يحتاج عالم اليوم المضطرب إلى الازدهار الذي يمكنه تحمل الصدمات ولا يتسبب في تدهور أسس مجتمعاتنا.
يجب أن يكون النمو الاقتصادي شاملا بما يكفي لتمكين الأفراد والمجتمعات من الازدهار ومن دون إثارة الاستقطاب ورد الفعل العكسي. نحن بحاجة إلى نهج للعولمة يمكن الدول من الشعور بالأمان حتى في خضم المخاطر البيئية المتزايدة والمنافسة الجيوستراتيجية. بغض النظر عن نموذج السياسات المقبلة، فإن التوفيق بين هذه المطالب سيكون التحدي الأساس له. إن الإنتاجية تضعنا في أول الطريق لكن المرونة ستجعلنا نحرز تقدما أكبر.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي