Author

منظم الخدمات الذكي

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

يقع منظم الخدمات في متسلسلة الصناعة التي تبدأ بالمشرع ثم المنظم ومقدمي الخدمة وأخيرا بالعملاء والمستهلكين. وترتكز أهم الصناعات التي تشمل الخدمات التنظيمية، على سبيل المثال لا الحصر، الكهرباء والمياه والصرف الصحي والمخلفات والاتصالات والبريد والبيئة والغاز والغذاء والدواء والنقل والطيران المدني والموانئ والخدمات المصرفية والبنكية وغيرها. ولأن وجود المنظم يعد ذا أهمية في جذب الاستثمار والتنافسية والتخصيص وثقة المستهلك ووجود لاعبين جدد في الصناعة، سنتطرق إلى الكيفية التي يكون منظم الخدمات فيها ذكيا.
ينبثق روح المنظم من اللوائح والتشريعات التي يمتلكها كأدوات قانونية، ولذلك فاللوائح الذكية Smart regulations هي فن بالدرجة الأولى وعلم في ذات الصناعة المعنية، إذ تتمثل في مجموع الخبرات المتراكمة التي يتم تطويرها من التجارب السالفة والفهم العميق. وتقوم اللوائح الذكية على أربعة مبادئ، كما تقول بوجاه سينغه، المستشارة في هيئة سوق المال الإماراتية، المسؤولية المشتركة، الوضوح القانوني، المرونة لاستيعاب التقنيات الجديدة، والإنصاف والشفافية. وتحد اللوائح الذكية من التعقيدات السياسية مثل غياب الاستقلالية أو تعارض المصالح أو التبعية المطلقة لإحدى الجهات أو غياب الشفافية أو عدم القدرة على المرونة والتكيف، وتهدف آلية عملها إلى تجنب خنق الابتكار والإبداع مع ضمان القدرة التنافسية. وتتطلب اللوائح الذكية أربع مهارات أساسية، خبرات تنظيمية عالية بما في ذلك الخبرة في الصناعة نفسها، تناسق المعلومات بين المنظم ومقدمي الخدمة، عقول متفتحة نحو التغيير، وأخيرا التنسيق مع جميع الجهات ذات العلاقة. وتنشأ من اللوائح الذكية الأدوات القانونية والتنظيمية من أجل تمكين المنظم من إبداء رأيه التنظيمي والرقابة وتفعيل كل الصلاحيات والمسؤوليات. ومن أهم ملامح اللوائح الذكية عدم تداخلها مع صناعات أخرى إلا للضرورة القصوى، مع أهمية المواءمة مع الصناعة ذاتها، لأن عدم المواءمة بين التشريعات ووجود أكثر من منظم في الصناعة، يخلفان أثرا سلبيا في المرخص لهم والعملاء.
ولكي يكون المنظم ذكيا، فلا بد أن تكون لديه القدرة على الاتصال المؤسسي والتنسيق الفاعل مع الجهات الحكومية والمنظمين الآخرين والمرخص لهم، والأهم هو المشرع، الوزارة على سبيل المثال. إن قدرة المنظم على التواصل والتنسيق مع الآخرين في الوقت المناسب وعدم التدخل في تفاصيل دقيقة مع المرخص لهم يعد ذكاء، لأن الاتصال المبالغ فيه يعد استهلاكا للجهد وإضاعة للوقت، ما قد يؤول إلى عزلة المنظم وعدم الاستجابة له وفقدان الثقة به. ويجب أن يكون تواصل المنظم ذكيا من خلال عدم إعطاء مرخص له جانبا من الاهتمام أكثر من الآخرين، بل يجب العدل والمساواة في المعاملة على حد سواء تلافيا لاي إحراجات قانونية وبالتالي فقدان الثقة التنظيمية.
ولكي يكون المنظم ذكيا، يجب عليه أن يكون لديه الحس الكامل في إدارة المخاطر للصناعة المعنية، لأن عدم تدخل المنظم في الوقت المناسب لإنقاذ الصناعة من خطر صريح سواء على المرخص لهم أو العملاء، يعد فشلا، ولذلك يجب توثيق المواقف وإنشاء سجل مخاطر وتحديثه تباعا. ومن ضرورات الذكاء أيضا مرونة المنظم وقدرته على الإصلاح التنظيمي بناء على تشريعات أو أنظمة جديدة.
في الختام، تسير هيئات التنظيم فيما يشبه منحنى تعلم ويختلف ميل منحنى منظم عن الآخر، بناء على قدرات المنظم التراكمية وقابلية التكيف مع متغيرات جديدة ومستجدات حديثة، ورسم مخطط للمساءلة وقدرة المنظم على التواصل الفاعل مع الآخرين والانفتاح نحو الحلول النوعية أو الإبداعية، ويكمن الأهم في قياس درجة ذكاء المنظم مع مرور الوقت، لأن من شأنه أن يضفي ثقة كبيرة به لدى السلطات العليا في طلب الاستشارة والرأي.

إنشرها