الشبكات الكهربائية العبقرية

تحدثنا في مقالات سابقة عن الشبكات الكهربائية الذكية التي ذاع صيتها إبان الانقطاع الذي حدث في الشمال الشرقي للولايات المتحدة في شباط (فبراير) 2003، ما دفع بوزارة الطاقة الأمريكية، إلى إنفاذ مفهوم الشبكات الذكية باستخدام تقنيات التحكم الآلي والاتصالات المتقدمة وغيرها من أشكال تقنية المعلومات الحديثة، كأحد الإجراءات الضرورية. ومنذ ذلك الحين، كتبت المقالات وألفت الكتب وعقدت المؤتمرات عن مفهوم الشبكات الكهربائية الذكية في أنحاء العالم، وما زالت الجهود في هذا المجال حتى وقتنا الحاضر، ووصل صداها إلى داخل المملكة، حيث تبنتها في تنظيم لقاء سنوي تحت مسمى المؤتمر السعودي للشبكات الكهربائية الذكية.
برز مفهوم جديد يدعى الشبكات الكهربائية العبقرية Genius Grid "أو الأكثر ذكاء"، وبدأ تناوله خصوصا في ولاية تكساس الأمريكية، وتمخض هذا المفهوم نتيجة لما حدث من انقطاعات في الشبكة الكهربائية في الولاية. في شباط (فبراير) 2021، تجاهلت ولاية تكساس الربط الكهربائي ومراعاة تقليل الطلب على الطاقة من خلال برامج كفاءة الطاقة واستجابة الطلب، وكانت لهذا التجاهل عواقب وخيمة عندما أدت عاصفة ثلجية عنيفة في فصل الشتاء إلى انقطاع الخدمة الكهربائية، وشمل معظم أنحاء الولاية حتى مات بسببه بعض من سكان الولاية. وأحد أسباب الانقطاع هو ارتفاع الطلب القياسي على الكهرباء بسبب الطقس الشديد البرودة، وكذلك أنظمة التدفئة وتكييف الهواء غير الفاعلة في المباني غير المعزولة بشكل جيد. وأدت هذه الحالة المفاجئة لولاية تكساس إلى التركيز بشكل أكبر على الاستراتيجيات التي تستخدم التقنيات المتقدمة لإدارة الطلب تحسبا لشح الإمدادات أو توقفها. وشرع بعدها منظم المرافق العامة Public Utility Commission في طرح أسئلة حول جانب مزود الخدمة، ووضع المعايير والتدابير في جانب الطلب. وأشار بعض المحللين إلى ضرورة إعادة تصميم وهيكلة شاملة لسوق وشبكة ولاية تكساس، حيث كانت منظومة تعزيز الطاقة الكهربائية تبحث عن تحديد مقدار الطلب ثم بناء ما يكفي من محطات توليد، سواء من الفحم أو الغاز أو الطاقة النووية، لتلبية الطلب وتغطية الاحتياطي الذي عادة ما يكون 15 في المائة. لكن تقادم هذا النموذج نظرا إلى وجود طرق أفضل وأرخص وأنظف وأكثر مرونة في مواجهة الأحوال الجوية القاسية. ومع مرور الزمن أصبحت الأجهزة المستهلكة للطاقة الكهربائية،ن مثل وحدات تكييف الهواء، أكثر تقدما من الناحية التقنية، بل أصبحت أكثر ذكاء، ما يسمح لها بالتجاوب مع متطلبات العملاء، إضافة إلى تثبيت مصادر الطاقة المتجددة في الشبكة الكهربائية. لذلك تحركت ولاية تكساس نحو إمكانية وجود شبكة يمكن من خلالها تطبيق برامج إدارة الطلب تلقائيا مع الدفع للعملاء الذين يرغبون في المشاركة وتحفيزهم. ولو استثمر في جانب الطلب على مدى الأعوام العشرة الماضية، لكان تأثير الانقطاعات الشتوية المفاجئة أقل معاناة على سكان تكساس، لأنه يوجد عديد من موارد الاستجابة للطلب وجاهزة للعمل في تكساس، مثل منظم الحرارة الذكي وأجهزة التحكم في مضخات المسابح في فصل الصيف عندما يبلغ الطلب على الكهرباء ذروته، وكذلك الحال بالنسبة إلى الثلاجات والمكيفات، لكن بكل تأكيد تجب مشاركة العملاء بها وتحفيزهم على تطبيقها والالتزام بها. لقد ذكر بعض المحللين أخيرا أن مرونة الطلب تعد ذات قيمة وجدوى بيد أنها لا تحظى بتقدير كاف في ولاية تكساس، لذا من الضروري إعادة تصميم شبكة تكساس وبرامجها لتكون أكثر ذكاء لزيادة الموثوقية مع خفض التكاليف على العملاء.
وبالامكان استخدام شبكة توزيع الكهرباء بوسائل أفضل وكفاءة أكبر من خلال اعتماد تقنية إنترنت الأشياء Internet of things، إذ تسحب البيانات من وحدات الإنارة ومكيفات الهواء وأجهزة الحاسب الآلي وغيرها باستخدام شبكة إنترنتية كنظام عصبي عملاق يوزع الكهرباء عندما يكون ثمة حاجة إليها. وإلى جانب رفع معدل الكفاءة، يمكن أن تكون الشبكة الكهربائية أكثر ذكاء على مقاومة الهجمات التخريبية ومعالجة ذاتها. لقد تم تثبيت شبكات التوزيع الكهربائية منذ أكثر من 80 عاما في الولايات المتحدة، وهذا الجزء مسؤول بشكل مباشر عن إيصال الكهرباء بموثوقية وأمان إلى القطاعات: السكني والتجاري والصناعي. وبينما ينظر إلى محولات التوزيع على أنها أصول منخفضة المستوى، فقد ذكرت عدة دراسات أنه يجب استبدال هذا التفكير القديم باستراتيجية أكثر ذكاء أو عبقرية. يقول مايكل بيتس، مدير عام الطاقة في شركة إنتل، "يمكن للشبكة الكهربائية التي تستشعر احتياجات الطاقة إيقاف تشغيل الأجهزة، ومعرفة ما الذي يجب إيقاف تشغيله وإبقاء الأجهزة الأخرى قيد التشغيل". ومن خلال نشر أجهزة الاستشعار داخل الشبكة الكهربائية، بالإمكان الاستفادة من شبكات التوزيع لتصبح أكثر من مجرد وسيلة نقل كهرباء أحادية أو ثنائية الاتجاه، لأن أجهزة الاستشعار المنتشرة في منظومة المحولات الكهربائية تنتج بيانات دقيقة وموثوقة وقابلة للتنفيذ داخل الشبكة لاستخدامها في مجالات التخطيط والعمل الاستباقي، بما يوحي ويتم التفكير فيه نحو المضي قدما نحو تبني مفهوم أكثر ذكاء أو الشبكات الكهربائية العبقرية.
ويحق لنا السؤال، هل سنسير على خطى بطيئة من مفهوم شبكة ذكية إلى شبكة عبقرية والتركيز على قطاع التوزيع الكهربائي فقط؟ وماذا حدث إذن في الشبكات الذكية؟ أليست برامج إدارة الطلب واستشعار حاجة شبكة التوزيع أحد مكوناتها؟ أم أن ذلك مجرد رسم مفاهيم علمية في الهواء؟ في حقيقة الأمر، إن الأفكار الواردة سلفا ما هي إلا مجرد اقتباس من مكونات الشبكات الذكية، ولا يوجد ما يدعو إلى رسم مفهوم جديد. بينما لايزال مفهوم الشبكات الكهربائية العبقرية في طور الانشاء في ولاية تكساس، تحتاج شبكة الولاية الكهربائية بكل جدية إلى أن تكون أشد ذكاء أو عبقرية في مواجهة الأحوال الجوية العاتية وارتفاع الطلب وغير ذلك، و إلا فستعاني كثيرا في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي