Author

التغير المستقبلي للمواقع السكانية

|
في حين أنه لا يمكن تلخيص محتوى تقرير الأمم المتحدة الأخير حول مستقبل السكان في 2022 في مقالة قصيرة، إلا أنه يمكن الإشارة إلى أبرز ملامح التغيرات وتغيير مواقع الدول بالنسبة للحجم السكاني.
لا يخفى على أحد أن عدد سكان العالم اليوم أكبر بثلاث مرات مما كان عليه في منتصف القرن الـ20، فقد تغير من 2.5 مليار نسمة في 1950 إلى نحو ثمانية مليارات في هذا العام، فقد كان نمو سكان العالم بمعدل يصل إلى 2 في المائة سنويا خلال العقد التالي لمنتصف القرن الـ20، لكنه تباطأ منذ ذلك الحين نتيجة انخفاض معدلات الخصوبة إلى أقل من النصف ليصل إلى أقل من 1 في المائة سنويا في الوقت الحاضر، ومن المتوقع أن يستمر التباطؤ التدريجي حتى نهاية القرن الحالي.
وسيشهد التوزيع الإقليمي للسكان تغيرات كبيرة خلال العقود الثلاثة المقبلة، فمن المتوقع أن تصبح آسيا الوسطى والجنوبية المنطقة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم بحلول 2037، وبالتحديد، فإن الهند ستتجاوز الصين باعتبارها الأكثر سكانا في العالم في نهاية العام المقبل.
ويقابل ذلك احتمالية بدء عدد سكان شرق وجنوب شرق آسيا في الانخفاض بحلول منتصف 2030. من جهة أخرى، من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان إفريقيا جنوب الصحراء، متجاوزا ملياري نسمة بحلول أواخر الأربعينيات من هذا القرن، نتيجة بقاء معدل الخصوبة بالقرب من ثلاث ولادات لكل امرأة، وبذلك ستضيف إفريقيا جنوب الصحراء أكثر من نصف الزيادة في سكان العالم بين عامي 2022 و2050.
وبسبب استمرار انخفاض الخصوبة، فإنه من المتوقع أن تصل أوروبا وأمريكا الشمالية إلى ذروتها من حيث الحجم السكاني والبدء بتراجع عدد السكان في أواخر العقد الثالث من القرن الحالي.
ونتيجة لهذه التغيرات، خاصة انخفاض الولادات، ستلعب الهجرة دورا أكثر في تشكيل اتجاهات السكان في كثير من المناطق.
من المتوقع كذلك أن ينخفض عدد سكان 61 دولة أو منطقة 1 في المائة أو أكثر بين عامي 2022 و2050، بل قد يصل انكماش السكان إلى 20 في المائة في بعض الدول، مثل: بلغاريا، ولاتفيا، وليتوانيا، صربيا، وأوكرانيا، كما ستشهد الصين انخفاضا مطلقا في عدد سكانها بحلول 2023.
ومن المثير أن الزيادة القليلة في عدد الذكور في العالم لن تستمر، فقد تبدأ الأعداد بالتساوي عند منتصف القرن الحالي. ولا شك أن التغيرات في معدلات الإنجاب تصحبها التغييرات في التركيب العمري. ونتيجة لما يعرف بالنافذة الديموغرافية، فإن بعض الدول، خاصة النامية، يمكن أن تستثمر "العائد الديموغرافي" خلال المرحلة الحالية لتعزيز التنمية نتيجة انخفاض نسب الإعالة العامة، ما يوفر مزيدا من الموارد المتاحة لزيادة الاستثمارات في التعليم والصحة والتوظيف والحماية الاجتماعية وأنظمة معاشات التقاعد. لكن ذلك لن يستمر طويلا، ففي نهاية المطاف سيزداد عدد كبار السن، ما يؤدي إلى شيخوخة السكان. فلأول مرة فاق عدد كبار السن الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر عدد الأطفال دون سن الخامسة في مطلع 2018، ومن المتوقع أن يصل عدد كبار السن إلى 994 مليونا في 2030، وإلى 1.6 مليار في 2050، أي نحو 12 في المائة و16 في المائة على التوالي.
وفي ضوء هذه التغيرات، يتطلب الولوج نحو مستقبل أكثر استدامة توفر رؤية ديموغرافية واعية، تعتمد على توقع طبيعة ونتائج التحولات السكانية الرئيسة قبل وأثناء حدوثها، واعتماد تخطيط استشرافي واستباقي يسترشد بهذا التحليل، إلى جانب دمج الأبعاد الديموغرافية في الخطط التنموية.
إنشرها