مشاعر بالكيلو
ظهرت في الآونة الأخيرة بعض التطبيقات التي تشير إلى وجود خلل في المشاعر الإنسانية والعواطف الصادقة، قبل 20 عاما لو أخبرونا عن وجودها لقلنا إن الأمر مجرد نكتة طريفة، لكن اليوم في ظل هذا الجنون الإلكتروني الذي يسرق أوقاتنا دون أن نشعر وفي ظل التسارع الزمني الذي نشعر به في ساعات يومنا التي تتسابق سراعا حتى نتعجب في نهاية اليوم كيف مرت؟ كل ذلك قد يجعل البعض لا يمتلك الوقت الكافي للاستماع لأحبته.
كنت أبحث في "العم جوجل" حين قرأت إعلانا عن تطبيقات تختص بالاستماع إلى الشخص الذي يمر بيوم صعب أو ظروف سيئة، ويحتاج إلى أن يتحدث ليخرج ما في داخله من مشاعر سلبية، مع التطمينات بأن مثل هذه التطبيقات آمنة ولا يمكن الوصول إلى معلومات مستخدميها، ما يتيح للمشترك أن "يهذر حتى يصفي رأسه". شدني الأمر فبحثت عن مزيد من هذه التطبيقات فوجدت تطبيقا يتيح للشخص الحزين الذي يعاني "الغلقة" ويحتاج إلى أن يتشارك دموعه وأحزانه مع شخص آخر أن يقوم بتحميل هذا التطبيق الذي سيوفر له شخصا يبكي معه حسب ترددات الحالة المزاجية، ولأن شر البلية ما يضحك فقد وجدت تطبيقا آخر يوفر للعروس صديقات ووصيفات يشاركنها فرحتها ويرقصن معها ويزغردن لها، ويكن معها في جميع تفاصيل يومها من الصباح إلى المساء، وهناك تطبيق آخر يختص بالفضفضة إذا كنت تشعر بالوحدة ولا أحد يهتم بك وترغب في الثرثرة التي لا تنتهي، فإنه يقوم بتوفير شخص كل مهمته تحملك وتحمل "سواليفك" حتى تمل أنت من نفسك.
مثل هذه التطبيقات التي بدأت الظهور بشكل جنوني هي مؤشر قوي على وجود خلل كبير في العلاقات الإنسانية والاجتماعية التي نعيشها في هذا الزمن، وأظن أن التغذية الراجعة لبعض وسائل التواصل الاجتماعي من خلال بثها مقاطع فيديو لحكايات وحوادث فردية تدور عن غدر الحبيب وخيانة الصديق وخذلان الإخوة وظلم القريب وقسوة الحياة، قد أسهمت بشكل كبير في ترسيخ درامية الحياة التي يعيشها البعض حتى لم يعد يثق بالآخرين، ما يدفعه إلى البحث عن مثل هذه التطبيقات، مع عدم إنكاري للاحتياج الإنساني للعواطف والدعم والاحتواء، لكن الحل يكمن في محاولة استزراع عواطفنا من جديد ومحاولة إنعاش علاقاتنا الاجتماعية لا اللهث خلف تطبيقات تجارية تبيع المشاعر بالكيلو.
وخزة:
"حذروك من عدوك مرة ومن صديقك ألف مرة ونسوا أن يحذروك من تطبيقات قد يتم تهكيرها فتنتشر أسرارك على طريقة (خلي اللي ما يشتري يتفرج) ولحظتها ستبكي معك العائلة كلها!