Author

قبضة الصين الاقتصادية

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

الاقتصاد الرقمي وتطبيقات الثورة الاصطناعية الرابعة والاقتصاد منخفض الكربون والتكنولوجيا الفائقة، كلها تعتمد على المعادن النادرة، وعدد تلك العناصر 17 عنصرا، وتمثل النواة لجيل الصناعة فائقة التطور، وللعناصر الأرضية النادرة دور جوهري في صغر حجم الأجهزة لما تملكه من خصائص فيزيائية وكيمائية لا تتوافر في معادن أخرى.
وبخصوص التوزيع الجغرافي للمعادن النادرة، فإن الاحتياطيات الأعلى تتوافر في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية؛ أي أن الدول الواقعة في شمال الكرة الأرضية مرهونة بجغرافية المعادن النادرة في مناطق جنوب الكرة الأرضية، مثل: الصين، ميانمار، فيتنام، البرازيل، وبعض الدول الإفريقية، تنتج وتعالج الصين وحدها أكثر من 60.63 في المائة، وأمريكا 15.5 في المائة، وتأتي ميانمار ثالثا بـ9.3 في المائة، ثم أستراليا بـ7.9 في المائة. وتسيطر الصين على سلسلة الإمداد العالمية للمعادن النادرة حيث تستورد أمريكا 80 في المائة، والاتحاد الأوروبي 98 في المائة من الصين، أي أن الصناعات الأمريكية والأوروبية فائقة التكنولوجيا في قبضة الصين كمدخلات أساسية، وهذا ما جعل الرئيس الأمريكي يستثني المعادن النادرة من قائمة العقوبات الاقتصادية، كما أن مركز الدراسات الاستراتيجية CSIS أشار إلى أن الصين هي موطن ثلثي الإمداد العالمي من المعادن الأخرى.
وإذا ما نظرنا إلى مبادرات الاقتصاد منخفض الكربون الذي تقوده أوروبا وأمريكا من خلال المعدات الموفرة للطاقة والصديقة للبيئة، فإن إجمالي الطلب العالمي من المعادن النادرة سيذهب إلى الصين كمكاسب استراتيجية كبرى، لأن الاقتصاد منخفض الكربون، كما ذكرنا سابقا، يعتمد على المعادن النادرة، والصين لا تصدر إلا 25 في المائة، ومعظم إنتاجها من المعادن النادرة يذهب إلى أسواقها الداخلية، وبهذه الاستراتيجية، أي تقييد صادرات المعادن الأرضية النادرة، استطاعت تحفيز الشركات الأجنبية على نقل إنتاجها للصين، وهذا ما منح الصينيين قبضة حديدية على سلسلتي الصناعة وتوريد المعادن النادرة على الرغم من وجود مناجم في البرازيل والهند وجنوب إفريقيا وأستراليا، إلا أن الفجوة واسعة وتميل لمصلحة الصين صناعيا.
الصين من منظور اقتصادي لم تغفل أيا من فرص التقدم الاقتصادي بما في ذلك استغلال الجغرافية الاقتصادية للعناصر الأرضية النادرة سواء على أراضيها أو في بعض الدول الإفريقية، فسيطرتها على الصناعة بصفة عامة وعلى مدخلات التقنية الفائقة أربك استراتيجية أمريكا القائمة على التوسع في الخدمات واستبقاء التقنية الفائقة وترك بعض الصناعات الأخرى تهاجر إلى دول العالم، بما في ذلك انتقال شركات صناعية أمريكية إلى الصين، وهذا ما جعل الحصة العالمية من الصناعة الأمريكية تتراجع إلى 16.6 في المائة مقابل نمو نسبة مشاركة الإنتاج الصناعي الصيني العالمي إلى 28.3 في المائة.
في الختام، هل ستعود أمريكا إلى الصناعة أم ستحدث صراعات جيوسياسية، لإشغال الصين عن تقدمها وفك قبضتها الاقتصادية عن الغرب وإغراء الدول النامية الغنية بالمعادن والجغرافية الاقتصادية الجيدة باستثمارات مضادة لطريق الحرير.
إنشرها