Author

ماذا لو وقعت؟ الاحتمالات والتداعيات

|

العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين ظلت متوترة خلال الأعوام الماضية رغم تراجع حدة ذلك التوتر في عهد إدارة الرئيس بايدن، لكن ومع الزيارة المثيرة للجدل التي نفذتها نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان فقد بدا أن العلاقات أخذت منحى جديدا نحو تأزم العلاقات، وغموض ما ستفسر عنه مستقبلا خصوصا على التبادلات التجارية بين البلدين، وتأثير ذلك في الاقتصاد العالمي.
القيادة الصينية كانت تراهن على وصول الرئيس الحالي جو بايدن إلى البيت الأبيض، لحلحلة المشكلات الاقتصادية مع واشنطن، إلا أن الأخير لم يقم بأي خطوة مختلفة بشكل كبير عن سلفه، إلا في حدود تخفيف اللهجة العنيفة ضد بكين، وعدم توسيع رقعة الحرب التجارية التي كانت قائمة لعدة أعوام بين أكبر اقتصادين في العالم. لكن زيارة بيلوسي أضافت شريطا ملتهبا، ومزيدا من التوتر للعلاقات بين واشنطن وبكين، وحتى الاجتماع الافتراضي الذي عقده بايدن مع نظيره الصيني شي جين بينج قبيل الزيارة، لم يخفف من وقعها على الساحة الصينية التي تعد تايوان جزءا لا يتجزأ من بر الصين، ويجب على الولايات المتحدة والغرب عموما التوقف عن محاولات زعزعة الاستقرار في المنطقة، عبر "السياسات العدوانية" لتايبيه، المدعومة من واشنطن.
في ظل هذه الأجواء زادت المخاوف من الأضرار الاقتصادية لهذه الزيارة على الجانبين الأمريكي والصين، صحيح أن العلاقات لم تكن مثالية، لكن أزماتها ظلت تحت سيطرة الطرفين، خصوصا في ظل الإدارة الديمقراطية الحالية في البيت الأبيض.
الاحتمالات كلها مفتوحة على الجانب الاقتصادي، فعلى سبيل المثال، تدرس الولايات المتحدة إمكانية تخفيف التعريفات والرسوم على واردات الصين في قطاع التكنولوجيا، لخفض آثار التضخم الحادة في المستهلك الأمريكي، غير أن التوتر الجديد في العلاقات، ربما سيحول دون ذلك على الأقل في المرحلة الراهنة. وكما هو معلوم، فإن حجم التبادل التجاري رغم التوترات التجارية يصل إلى أكثر من 657 مليار دولار، وفي العام الماضي استوردت الصين منتجات أمريكية بلغت قيمتها 151 مليار دولار. ولا شك أن أي تصعيد تجاري جديد أو أي خلاف تجاري أكثر شمولا، يشكل ضررا بالغا على الشركات الأمريكية والغربية في آن معا، ويرى مراقبون أن هذه الأضرار قد تكون أكثر حدة من تلك التي جلبتها وخلفتها الحرب في أوكرانيا.
ورغم أن الخيار العسكري ليس واردا من جانب الصين على الأقل في الوقت الراهن، إلا أن مجرد التهديد به يؤثر بصورة سيئة في أوضاع المستثمرين الغربيين في تايوان الذين يضخون أموالا هائلة في هذه الجزيرة. كما أن تايوان تعد العامود الفقري لسلاسل التوريد العالمية التي تواجه مصاعب جمة منذ عدة أعوام، فالأضرار لن ترتبط بالشركات في البر الصيني بل في تايوان أيضا، فضلا عن أن الصين هي أكبر شركاء تايوان التجاريين، فقد بلغت صادرات الجزيرة لبكين العام الماضي 126 مليار دولار، في حين استوردت تايوان أكثر من 82 مليار دولار من المنتجات الصينية. الاحتمالات مرة أخرى كثيرة لتفاقم الأزمات الاقتصادية بين أكبر اقتصادين، في الوقت الذي يواجه فيه العالم أزمة خطيرة على الجانب الاقتصادي لأسباب عديدة في مقدمتها النزاعات الجيوسياسية.
والسؤال المطروح هنا يكمن في: ماذا لو اندلعت حرب بين الصين وتايوان؟ ما النتائج والتأثيرات والتداعيات المستقبلية من هذا الوضع غير المحتمل على دول العالم، والمنطقة الآسيوية بالذات التي تمثل نبضا اقتصاديا مهما. ومن أهم أوجه التأثيرات الاقتصادية العالمية المتوقعة في حالة نشوب حرب بين الصين وتايوان، فيتوقع فرض عقوبات اقتصادية على الصين، وأن تتحرك الولايات المتحدة، والدول الغربية، وبعض الدول الآسيوية نحو فرض عقوبات اقتصادية، والمجال الأكثر عرضة للعقوبات سيكون واردات الصين من الطاقة، مع ممارسة ضغط قوي على اقتصادها.
لكن العقوبات الاقتصادية على بكين ستكون سلاحا ذا حدين، لأنها مندمجة بشكل كامل في الاقتصاد العالمي، حيث تسيطر الصين حاليا على 18.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام الماضي، خلف الولايات المتحدة البالغة حصتها 23.8 في المائة.
كما تعد الصين مركزا صناعيا عالميا وأكبر سوق تصدير لمعظم الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، إضافة إلى أنها حاليا أكبر دائن منفرد في العالم، مع امتلاكها قروضا مستحقة على دول أخرى بخمسة تريليونات دولار أو أكثر من 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومن الآثار أيضا تعطل الصناعات التكنولوجية في الصين حيث سيتأثر الاقتصاد الصيني بتوقف إمدادات تايوان من الرقائق الإلكترونية، وتشير الإحصاءات إلى أن بكين تستورد 40 في المائة من احتياجاتها من الرقائق من تايوان.
أما الوجه الآخر من التأثيرات فينصرف إلى تراجع معدلات الاستثمارات الأجنبية في تايوان، حيث سعي المستثمرون لتوجيه استثماراتهم إلى شركات الرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة وأوروبا، وأيضا سيكون هناك شلل في الصناعات الإلكترونية العالمية حيث تعد تايوان المورد الرئيس للرقائق الإلكترونية الدقيقة في العالم، نظرا لكونها تشارك بحصة تصل إلى 90 في المائة من إجمالي الطلب العالمي من الرقائق الإلكترونية.
وبالتالي فإن حدوث أي اضطراب في تايوان سيؤدي إلى شلل شبه تام في الصناعات الإلكترونية عالميا، والعامل المؤثر المهم هو اضطراب حركة التجارة العالمية، حيث يتوقع أن يؤثر سيناريو الحرب بين الصين وتايوان في معدلات التجارة العالمية، والآسيوية خصوصا، وذلك في ضوء الاعتمادية العالية في العالم على الصين في تلبية احتياجات الأسواق من السلع الزراعية والصناعية، وقد يواجه العالم نقصا سلعيا شديدا، خاصة في المنتجات الغذائية والطبية.
وفي هذا السياق، سينجم عن سيناريو التصعيد العسكري اضطراب في خطوط الشحن البحري في بحر الصين الجنوبي الذي تمر عبره شحنات تجارية تقدر بقيمة 5.3 تريليون دولار سنويا، كما يمر عبره أكثر من 60 في المائة من التجارة البحرية العالمية، وأكثر من 22 في المائة من إجمالي التجارة العالمية، و40 في المائة من المنتجات البترولية العالمية. وبالتالي، فإن أي صراع سيترتب عليه ارتفاع كبير في أسعار المنتجات النفطية، وغير النفطية. ومن الواضح أن القيادة الصينية لا تزال تدرس أشكال الردود المناسبة لزيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، لكن الشيء المؤكد أن الخوف ينتشر من حيث الجانب الاقتصادي، خصوصا في أوساط الشركات الغربية والمستثمرين الأجانب عموما، وحتى الغرب لن يفكر جليا في هذا الخيار لأن الرقعة الجغرافية هنا في قارة آسيا تختلف عن أي منطقة في العالم بكل المقاييس الاستراتيجية، والاقتصادية.

إنشرها