Author

أسعار النفط والارتفاعات في المستقبل المنظور

|
شهدت الأسابيع القليلة الماضية تراجع أسعار النفط عن المستويات القياسية التي كانت عليها في حزيران (يونيو)، حيث زادت المخاوف من حدوث ركود اقتصادي عالمي. لكن أسعار النفط لم تنخفض بالقدر الذي يرغب فيه المستهلكون. باستثناء حدث دراماتيكي يخفض الطلب بصورة كبيرة مشابهة لما حدث في بداية جائحة كورونا، ستبقى أسعار النفط مرتفعة في المستقبل المنظور.
أشارت "أوبك" مرارا وتكرارا إلى أنها ليست في عجلة من أمرها لنشر طاقتها الاحتياطية لتعزيز الإمدادات العالمية. السبب الرئيس لذلك هو أن الطاقة الاحتياطية المتوافرة لديها محدودة. في الواقع، اثنان فقط من أعضاء "أوبك" لديهما طاقة احتياطية كبيرة - المملكة والإمارات. في هذا الجانب، حذرت المنظمة في تقريرها الشهري الأخير عن سوق النفط من أن الطلب العالمي على النفط سيرتفع إلى مستويات ستختبر طاقتها الإنتاجية. توقع التقرير أن يرتفع الطلب على نفط المنظمة من 28.7 مليون برميل في اليوم في حزيران (يونيو)، إلى 32 مليون برميل يوميا في 2023. ما يعني أن "أوبك" ستحتاج إلى زيادة إنتاجها بأكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا في غضون عام ونصف لتغطية الطلب، الذي يأتي في الغالب من الصين والهند. وقد لا تكون لديها الطاقة الإنتاجية الاحتياطية الكافية للقيام بذلك. في الواقع، استشهدت "رويترز" في وقت سابق من هذا العام، بمحللين حذروا من أن هذه الطاقة الاحتياطية قد تنخفض إلى أقل من مليون برميل يوميا بنهاية 2022.
بالطبع لا يتفق الجميع مع توقعات "أوبك" للطلب على النفط. على سبيل المثال، ترى Energy Aspects أن الطلب على النفط في 2023 سيبلغ 101.8 مليون برميل يوميا، وهو أقل بكثير من 103 ملايين برميل يوميا الذي تتوقعه "أوبك". لكن حتى مع الطلب عند 101.8 مليون برميل في اليوم، فإن السوق ستبقى متشددة بشكل كبير، ولا يعتقد بعض المحللين من أن لدى "أوبك" القدرة على تحقيق ذلك. تأتي توقعات الطلب القوية للعام المقبل على الرغم من تصاعد المخاوف من الركود العالمي الذي أثر في أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة. على الرغم من أن خام برنت لا يزال يتداول، وقت كتابة هذا المقال، فوق 100 دولار للبرميل، إلا أنه انخفض من أعلى مستوى له عند 125 دولارا للبرميل في حزيران (يونيو).
في الوقت الذي يناقش المحللون الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لـ "أوبك"، تواصل شركات النفط في الولايات المتحدة نهجها الحذر تجاه نمو الإنتاج وسط دعوات مستمرة من الحكومة الفيدرالية للقيام بذلك. إضافة إلى ذلك، أدى ارتفاع أسعار المواد ونقص العمالة، إلى إعاقة نمو الإنتاج الأمريكي، وقد انزلق الآن أيضا إلى نقص في معدات التكسير الهيدروليكي. هذا إضافة إلى النقص الذي تم تحديده مسبقا في جوانب أخرى، مثل الرمال المستخدمة في عمليات التكسير وأنابيب الحفر، الذي يمكن أن يستمر لعدة أعوام. في الواقع، حذرت شركة هاليبيرتون Halliburton في وقت سابق من الشهر الماضي من أن "اختناقات سلسلة التوريد تجعل من المستحيل تقريبا إضافة طاقة إنتاجية إضافية هذا العام". ما يعنيه كل هذا هو أن النمو في إنتاج النفط الخام الأمريكي سيكون محدودا على الرغم من دعوات الحكومة الفيدرالية لزيادة سريعة في الإنتاج.
وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، بلغ متوسط الإنتاج 12.1 مليون برميل يوميا خلال الأسبوع المنتهي في 22 تموز (يوليو)، مرتفعا من 11.9 مليون برميل يوميا في الأسبوع الذي سبقه. وكان متوسط أربعة أسابيع حتى 22 تموز (يوليو) 12.025 مليون برميل يوميا. تعد هذه زيادة قوية عن العام الماضي، لكنها ليست زيادة قوية بما يكفي لمواكبة الطلب القوي. كما أن هذا الرقم لا يزال أقل من المستوى القياسي الذي أنتجته شركات النفط الأمريكية في 2019 وهو 12.3 مليون برميل يوميا. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة أن يبلغ متوسط الإنتاج اليومي لهذا العام نحو 11.9 مليون برميل يوميا. هذا يعني أن الإنتاج لن ينمو كثيرا عن المستويات الحالية، لأسباب ليس أقلها، اختناقات سلسلة التوريد ونقص العمالة.
بين تقلص الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لـ "أوبك"، واختناقات سلسلة التوريد، ونقص العمالة في الولايات المتحدة، ليس من الصعب رؤية إلى أين تتجه أسعار النفط في المستقبل المنظور، حتى مع تخفيف العقوبات ضد روسيا فجأة، وهو ما لم يحدث حتى إذا انتهت الحرب في أوكرانيا، كما قال عديد من مسؤولي الاتحاد الأوروبي.
إنشرها