Author

الفاتورة الذكية

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

الفاتورة عبارة عن بيان شهري بالمبلغ الذي يدين به الفرد أو المنظمة مقابل الخدمات أو المرافق الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والغاز وغيرها، ويوضح فيها كمية الاستهلاك بصورة شهرية، إضافة إلى المبلغ المطلوب دفعه من قبل العميل إلى مقدم الخدمة، مثل الشركة السعودية للكهرباء وشركة المياه الوطنية. ففي فاتورة الكهرباء، نرى التكلفة الإجمالية الشهرية لاستهلاك الكهرباء ويتم حساب ذلك بضرب السعر لكل كيلوواط ساعة في عدد الكيلووات ساعة التي تم استهلاكها في منزل العميل خلال الشهر، وقس على ذلك فاتورة المياه مع عدد المتر المكعب في اليوم، إضافة إلى الشرائح المستهلكة. وفي كلا الحالتين، تكون الفاتورة محسوبة بالتعريفة المتعمدة من مجلس الوزراء. سابقا، كانت الفواتير ورقية ويتم إرسالها إلى العميل بالبريد العادي، ما قد يؤدي إلى تأخر التسلم والطباعة غير الضرورية، الأمر الذي دعا إلى التوجه نحو تبني وتطبيق الفواتير الإلكترونية وإيقاف الفواتير الورقية. ومن ثم أنشئ عدد من القنوات الإلكترونية لإرسال الفاتورة، مثل التطبيق والرسائل النصية والبريد الإلكتروني، وغيرها، وتتاح للعميل معرفة تفاصيل الفاتورة بمجرد صدورها. إن الفاتورة تمثل ميثاقا وواجبا على مقدم الخدمة الالتزام بإيصاله إلى العميل لمعرفة كمية الاستهلاك والمبلغ الشهري المطلوب بدقة، حسبما ينص عليه دليل مقدم الخدمة. وقد تحتوي الفاتورة على معلومات أخرى قد تكون أقل أهمية للعميل، لكن تقع عين العميل على المبلغ فور صدور الفاتورة. بينما أخذت العدادات الذكية في بسط خدماتها وجعل العميل يتعرف على استهلاكه قبل صدور الفاتورة، كما هو الحاصل في الكهرباء، أو وضع حد للاستهلاك في المياه والتنبيه إذا تعدى معدل استهلاكه، ما يتيح العميل تفاعلا أفضل وشفافية مثلى مع الخدمة المقدمة. ولقد أسست الفاتورة التفاعلية في بعض مواقع مقدم الخدمة أو المنظم بحيث تتيح للعميل معرفة معقولية استهلاكه.
وعلى الرغم مما قيل آنفا، فإن الفاتورة الحالية لا تقدم تغذية رجعية إلى العميل لإيضاح معقولية استهلاكه، إذ ربما يستهلك العميل كهرباء أو ماء، ما قد يتجاوز احتياجاته ولا يعلم إن كان استهلاكه عاليا أو معقولا. ويقوم العميل عادة بمقارنة سريعة بين قيمة فاتورة الشهر مع الشهر نفسه في العام الماضي لمعرفة حالة استهلاكه، وهذا توفره بيانات خدمة الكهرباء والماء، ولكن أغلب العملاء لا يعلمون عما إذا كان استهلاكهم للكهرباء والماء في حدود المعقول بمجرد صدور الفاتورة. ومن هنا تأتي مبادرة الفاتورة الذكية التي تهدف إلى تفعيل مشاركة العميل بصورة أكبر، وألا تكون مجرد استهلاكا ومبلغا ماليا مطلوبا تسديده فقط. وتقوم الفاتورة الذكية على تقديم حالة الاستهلاك الشهري من خلال ثلاثة ألوان، وتصدر في أعلى الفاتورة بصورة ينتبه إليها العميل جيدا. حيث ينبئ اللون الأحمر بأن الاستهلاك عالي جدا وفوق المعقول، واللون الأصفر يخطر العميل بأنه قد تعدى الاستهلاك المقبول بصورة بسيطة، أما اللون الأخضر فيعلم العميل بأن استهلاكه في حدود المعقول. ويؤخذ في الحسبان سعة القاطع ومجموع مساحات المنزل، وغيرها بالنسبة إلى خدمة الكهرباء، أما بالنسبة إلى خدمة الماء، فتؤخذ سعة قطر العداد وعدد أفراد الأسرة في المنزل، وغيرها. ولا شك أن موسم الصيف يؤخذ في الحسبان، ولذا يمثل بنموذج رياضي متكامل يتضمن كل بيانات استهلاك العملاء، إضافة إلى بعض البيانات الضرورية من الهيئة العامة للإحصاء والبلدية، وغيرها. وبالإمكان رسم عوامل مشابهة إلى القطاع التجاري والصناعي والحكومي، وغيرها، بما يضع العميل في صورة واضحة عن مدى معقولية الاستهلاك الشهري. ثم يحال العميل إلى موقع إلكتروني مخصص لمعرفة كيفية معالجة الاستهلاك العالي، وقد يكون للمركز السعودي لكفاءة الطاقة والمركز الوطني لكفاءة وترشيد المياه، دور جوهري في التوجيه والإرشاد.
دعونا الآن ننتقل إلى مفهوم آخر وإمكانية تطبيقه في فواتير الخدمات لكي تكون ذكية. في عام 2003، أطلق المبرمج البريطاني نيك بيلينج، مفهوم التلعيب Gamification، وهو مصطلح مشتق من كلمة لعبة، يعتمد على استخدام عناصر الألعاب في مجالات غير مرتبطة بالألعاب، مثل التعليم والشركات والجهات الحكومية والتسويق والأعمال والإعلام والتعليم، من أجل رفع مشاركة المستخدمين في تحقيق أهداف محددة وزيادة تفاعل ومساهمة المستخدمين. وبالتالي، تنقل تجربة اللعب على الواقع ويمنح المستخدم تجربة لعب كاملة، مع الإشارة إلى أن تقنيات التلعيب تقوم على الاستفادة من رغبات الناس الطبيعية، مثل التعلم والتفوق والمنافسة والإنجاز والحالة والتعبير عن الذات والغيرة، وتستخدم جوائز محفزة أو شارات نوعية للموظفين "أو اللاعبين" الفائزين باللعبة.
ماذا لو استطعنا تطبيق مفهوم التلعيب في صياغة فواتير الخدمات؟ بحيث يتنافس العملاء في جمع عدد من النقاط بناء على ضبط استهلاك الكهرباء والماء في اللون الأخضر. إن عملية التصميم والبناء لن تكون سهلة، لأنه يتطلب معلومات كثيرة ورغبة من العملاء في المنافسة مع أقرانهم، ولو استطاع العميل مقارنة فاتورته بمعدل الفاتورة العامة في مدينته أو جيرانه أو أقرانه بما يتكيف مع العوامل نفسها التي يعيش فيها الآن أو المعدل المستهدف له، سيدخل في منافسة محمودة مع غيره. وعليه، ستجبر العميل على التعلم والإنجاز والتعبير عن ذاته إذا وضعت جوائز محفزة أو شارات نوعية لمن يستطيع الحصول على أكبر عدد من النقاط في لعبة الفواتير سنويا. وفي الختام، تمثل الفاتورة الذكية نقلة نوعية لقطاع العملاء في مجال الخدمات وحافزا كبيرا وتفكيرا خارج الصندوق، وهذا من شأنه التأثير على جانب الإمداد وعدم الحاجة إلى بناء محطات توليد كهرباء وتحلية مياه جديدة، بل التخلص من المحطات القديمة ذات الاستهلاك العالي للوقود وتخفيف حجم الانبعاثات الغازية. وستحفز الفاتورة الذكية العميل على الترشيد وتقليل فاتورته وبحث جوانب القصور والاستهلاك العالي لعلاجها وتجعل القرار النهائي بيده في الاستخدام الأمثل للكهرباء والمياه.

إنشرها