Author

ما بديل معدن الليثيوم في تصنيع البطاريات الكهربائية؟

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

تحدثنا في مقالات سابقة عن سباق مشهود لتصنيع البطاريات في العالم، والبحث عن معادن وموارد مختلفة في تصنيع البطاريات الكهربائية. وتتكون معظم البطاريات الحالية من معدن الليثيوم أو النيكل والكادميوم أو الرصاص أو الكوبالت، لكن تعد بطاريات الليثيوم-أيون أفضل الخيارات في الوقت الحاضر، حيث تتحكم في أكثر من 90 في المائة من سوق تخزين البطاريات العالمية، لتميزها بكثافة طاقة عالية وخفة الوزن، لكنها أكثر تكلفة. وعلى الرغم من الاهتمام العالمي بمعدن النيكل خلال الأزمة الروسية الأوكرانية، فإن معدن الليثيوم يعد مصدر قلق للشركات المصنعة التي تتعامل مع جميع أنواع تحديات سلسلة التوريد. وتشترك البطاريات القابلة لإعادة الشحن، مثل بطاريات الهواتف وأجهزة الحاسب المحمولة والكاميرات عالية التقنية في معدن الليثيوم. لقد أدت زيادة إنتاج بطاريات أيونات الليثيوم، إلى انخفاض الأسعار 85 في المائة، ما جعل المركبات الكهربائية قابلة للاستخدام تجاريا لأول مرة في التاريخ، إضافة إلى استخدام هذا المعدن في الأدوية ومواد التشحيم الصناعية، لكن ارتفع مؤشر الأسعار الرئيسة إلى أكثر من الضعف في الربع الأول من هذا العام بعد ارتفاعه نحو 280 في المائة العام الماضي. وسيكون هناك نمو كبير في العرض خلال العامين المقبلين لكن بمعدل أقل من الطلب وبالتالي استمرار فجوة بين العرض والطلب.
إن معدن الليثيوم ليس أكثر العناصر الكيميائية صديقة للبيئة وملائمة لها. على سبيل المثال، تستنزف احتياطيات الليثيوم في أمريكا الجنوبية كميات ضخمة من المياه، الأمر الذي تنتج بسببه صراعات مريرة بين السكان المحليين حول تلك المياه المستنزفة، لأن هناك حاجة إلى 2.2 مليون لتر من الماء لإنتاج طن واحد من الليثيوم، وأضف إلى ذلك أن استخراج معدن الليثيوم يؤدي إلى الإضرار بالتربة والتسبب في تلوث الهواء.
من جانب آخر، تعد إمكانية إعادة تدوير تصنيع بطاريات الليثيوم-أيون ميزة إضافية لأن ذلك يعني إمكانية استخدامها مرارا عوضا عن التنقيب والتعدين عن معدن الليثيوم، لكن هذه ليست ممارسة راسخة عالميا حتى الآن، حيث تتقدم إعادة تدوير البطاريات بصورة بطيئة في الأعوام الأخيرة. والمهم أمرا معرفة أن إعادة استخدام وتدوير بطاريات الليثيوم-أيون ليست خيارا، بل ضرورة حتمية لكل من مصنعي البطاريات والمركبات الكهربائية.
لو افترضنا بعدم توافر معادن الليثيوم والنيكل والكادميوم والكوبالت "خاصة معدن الليثيوم" في المملكة أو توافرها بنسب قليلة، فما بديل معدن الليثيوم في تصنيع البطاريات؟ وهل توجد فرص استثمارية من البدائل؟ لقد أشارت دراسات كثيرة إلى وجود بدائل كيميائية تستحق الدراسة والنظر والأغلب متوافر بكميات كبيرة في المملكة. فعلى سبيل المثال، الملح أو الصوديوم وهو قريب كيميائي قريب من الليثيوم. على الرغم من كونه عنصرا مشابها جدا، إلا أنه ليس له التأثير البيئي نفسه، ما يعني أنه قد يكون خيارا عمليا لاستبداله. وبالتالي يكون الحل في بطاريات الصوديوم-أيون حيث لا تستهلك تقنية الصوديوم- أيون أي موارد نادرة. لكن تكمن أهم سلبيات معدن الصوديوم في كونه أثقل بثلاث مرات من الليثيوم، ما يعني أن بطاريات الصوديوم-أيون ستكون أثقل بكل تأكيد. ويتمثل أحد الخيارات البديلة في مياه البحر، فقد طور فريق في معهد كارلسروه للتقنية في ألمانيا نموذجا أوليا لبطارية تعتمد على مياه البحر. وتحتوي محيطات العالم على ما يقدر بـ180 مليار طن من معدن الليثيوم، لكنه مخفف وجارٍ ابتكار وتطوير المرشحات لاستخلاص الليثيوم من مياه البحر بشكل أفضل.
ويعد الحديد أحد بدائل معدن الليثيوم، نظرا إلى قوته وصلابته، ويعتقد أن لديه إمكانات أفضل من حيث الأكسدة والاختزال، إضافة إلى الكفاءة العالية بشكل عام، لكن بطاريات الحديد أكبر بكثير من حيث الحجم من بطاريات الليثيوم، ما يعني أنه ليس من الممكن استخدامها في الهواتف الذكية أو أجهزة الحاسب المحمولة أو حتى المركبات الكهربائية، لكن يمكن أن تعمل بشكل جيد للتخزين في منظومة الشبكات الكهربائية. ويعد معدن السيليكون من البدائل الجيدة أيضا ويصف بعض العلماء السيليكون باعتباره مكونا حاسما، وإن كان من غير المحتمل أن يحل السيليكون محل الليثيوم، لكن ستتم إضافته إلى بطاريات الليثيوم-أيون، ما يعني أنها ستكون أقل تكلفة وأكثر فاعلية على المدى الطويل. ومن البدائل الجيدة معدن المغنيسيوم ويتم البحث عن المغنيسيوم كمكون قوي محتمل في البطاريات المستقبلية، لأنه عنصر يمكن أن يحمل شحنات كهربائية عالية أعلى قدرة من كل من الليثيوم والصوديوم. وتتميز البطاريات المصنوعة من معدن المغنيسيوم بكثافة أعلى للطاقة وثبات أكبر وتكلفة أقل من بطاريات الليثيوم-أيون في الوقت الحاضر، حيث يتمتع عنصر المغنيسيوم بقدرته على توصيل ما يقرب من ضعف الطاقة الكهربائية مقارنة بعنصر الليثيوم.
في الختام، هناك بدائل معدنية في المملكة تستحق البحث والتطوير والتجارب المعملية في تصنيع البطاريات الكهربائية، لأن أغلب البدائل الكيميائية المذكورة آنفا متوافرة، وتنم عن فرص استثمارية مميزة. وبالفعل تستحق إطلاق ملفات تطوير أعمال، مثل استخلاص المعادن والأملاح من مياه الرجيع الملحي، وتعد فرصة استثمارية للمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، في تطوير منتج معادن، أو إنشاء مصنع بطاريات، ومن ثم إطلاق شركة تحت مظلتها لاحقا. وتتجه المؤسسة إلى استثمار الرجيع الخارج من عمليات تحلية المياه في جميع محطاتها من إنتاج نحو أربعة مليارات متر مكعب سنويا من المحلول الملحي. وتماثل بعض المعادن المتوافرة في الرجيع الملحي بدائل محتملة لمعدن الليثيوم، مثل الصوديوم والمغنيسيوم، بل إن معدن الليثيوم متوافر في رجيع التحلية لكن بنسب ضئيلة، وهذا سيتيح للمؤسسة ميزة تنافسية إذا استغلت بالشكل الصحيح. وقس على ذلك بقية البدائل مثل الحديد والسيليكون وغيرهما، التي قد تفتح بابا لشركات صناعة التعدين في المنافسة مثل شركة معادن في تصنيع البطاريات الكهربائية أو المساهمة فيها والاستحواذ على المميزات التنافسية المتوافرة في المملكة.

إنشرها