Author

«صحيب» و«جريب»

|
صحيب مشتقة من صحب والصحبة، وهي من المحكية السعودية، وكانت في الماضي تعني تصالح الأطفال، فإذا عقد الطفل خنصره على خنصر صديقه بعد خصام بينهما أو جفوة ما وقال له، صحيب فهذا معناه تجدد الصحبة أو استمرار العلاقات.
أما جريب فتعني المخاصمة، وسحب السفراء، والمقاطعة، فإذا نظر الطفل إلى رفيقه بغضب أو عتب أو استعلاء وقال، جريب، فهذا يعني وقوع الخلاف والقطيعة، وهي كلمة مشتقة من الجرب، الداء المعروف الذي يصيب الماشية، ويجعل الراعي يعزلها عن بقية القطيع.
داخل البيوت العامرة بالأبناء والأحفاد، وفي شوارع أو ممرات الحارة، أو حتى ممرات ومداخل العمائر السكنية، كان هذا السيناريو يحدث يوميا وأحيانا أكثر من مرة في اليوم نفسه، فالغضب أو الزعل يحدث لأي سبب مثل الاختلاف على ملكية "مصاقيل" أو علكة، أو خشبة وجدت ملقاة على الطريق، ثم المصالحة تتم برشفة من مشروب غازي أو قضمة من حلوى.
التحزبات والتكتيكات الحزبية، ومبادئ فرق تسد، وتكوين التحالفات، والتخطيط الآني كلها كانت ممارسات حاضرة بين الأطفال في الشارع، يوم أن كان هناك شارع، ومعظم ما تقدم اختفى من حياة الأطفال الجدد لأسباب كثيرة، ولا أعرف هل هو لمصلحتهم ومصلحتنا أم لا.
المفاهيم نفسها موجودة اليوم، لكن تمت رقمنتها أي أن الصحيب اليوم هو من يضاف إلى قائمة أحد التطبيقات، أو من تلعب معه "عن بعد"، أما الجريب فهو من يحذف منها جميعا، وبالطبع تغير رد الفعل من لفظ كلمة جريب على الملأ إلى ضغط أيقونة الحذف، ومن صحيب إلى أيقونة الإضافة.
ربما تكون سلسلة الخصام والتصالح اليومية سببا في عدم ملل الأطفال آنذاك رغم أنهم فعليا وبمقاييس اليوم لم يكونوا يملكون سوى شقاوتهم البريئة، وربما عدم وجودها واقعيا اليوم سبب ملل أطفال هذا الزمن رغم أنهم يملكون كل شيء.
تأمل في السياسة والاقتصاد والمجتمع المحلي والإقليمي والدولي، وحاول أن تعرف كم حالة صحيب وجريب نعيشها يوميا، ولماذا، وكيف؟ فقط تخيل الأطفال قديما في حارتكم وشارعكم، وحاول إسقاط شخصيات تتذكرها على أشخاص معاصرين، منظمات، تكتلات، ومؤسسات عالمية وربما ستكتشف أن تطابقا عجيبا تستحضره الذاكرة، ويستحضر الابتسام.
يقولون إن بعض الأشياء لا تتغير، وهذا محل نقاش، فبعض الأشياء تتغير جذريا، لكن يبقى بعضها الآخر كما هو، وهناك بعض ثالث تحسبه تغير لكن في الحقيقة لم يتغير سوى مسماه أو شكله الخارجي فقط.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها