تقارير و تحليلات

عاصفة الركود التضخمي تلوح في الأفق .. العقارات والذهب طوق النجاة

عاصفة الركود التضخمي تلوح في الأفق .. العقارات والذهب طوق النجاة

يحدث الركود التضخمي عندما ترتفع الأسعار وتزداد البطالة وينخفض النمو الاقتصادي.

تتطلب المصارحة الاقتصادية الإقرار بأن هناك حالة من القلق المشحون بالتوتر تهيمن على توقعات وسلوك قطاع رجال الأعمال والمستثمرين الدوليين في الوقت الراهن، حالة مبعثها غياب إجابة واضحة وقاطعة بشأن سؤال جوهري يتعلق بالمسار الذي سيتخذه الاقتصاد العالمي ليس فقط في الأشهر المقبلة بل في الأعوام المقبلة.
التضخم، الركود، الركود التضخمي كلمات باتت يومية في جميع وسائل الإعلام وعلى ألسنة المحليين، ومع ذيوعها وانتشارها المقرون بالعديد من المؤشرات بأنها أضحت واقعا فعليا يلقي بثقله على مسار الاقتصاد العالمي، فإن المشهد الاقتصادي في عيون المستثمرين يزداد ارتباكا وتعقيدا وسط سؤال يبحثون عن إجابة عنه: ما الأكثر أمانا أو ما أفضل القنوات الاستثمارية التي يمكنهم الاستثمار فيها في تلك الأوقات المضطربة مرتبكة المعالم فينمون ثروتهم أو يحافظون عليها بلا خسائر أو أضرار حتى تتضح لهم اتجاهات البوصلة الاقتصادية في دولهم أو عالميا؟
ولأن التضخم بات واقعا يوميا ضاغطا على معيشة المواطنين في معظم الاقتصادات بما فيها الاقتصادات الكبرى كما هو الحال في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أو في العديد من الاقتصادات الأوروبية والناشئة على حد سواء، ولأن البنوك المركزية لا تجد على الأقل حتى الآن وسيلة لكبح جماح التضخم غير مواصلة رفع أسعار الفائدة، بتبعاتها السلبية على القدرة الاستثمارية للمستثمرين وإضعاف رغبتهم في الاقتراض ومن ثم التوسع الرأسمالي، فإن النقطة المحورية للمخاوف الاقتصادية لدى الجميع تنصب على الكيفية التي سنواجه بها الركود التضخمي خلال الفترة المقبلة.
من جانبها، قالت لـ"الاقتصادية" الدكتورة ايملي باول، أستاذة التنمية الاقتصادية في جامعة بلفاست، إن هذا المصطلح "الركود التضخمي" مزيج من عدد من العوامل تشير جميعها إلى أوضاع اقتصادية صعبة على الجميع، إذ يحدث هذا الركود التضخمي عندما ترتفع الأسعار وتزداد البطالة في آن واحد وينخفض النمو الاقتصادي أيضا، إضافة بالطبع إلى عوامل اقتصادية أخرى، لكن يظل ارتفاع التضخم والبطالة معا هو جوهر الركود التضخمي.
وتستدرك قائلة "إذا ما تأكد بشكل قاطع أن الركود التضخمي قد نال من الاقتصاد العالمي، فلن تكون تلك هي المرة الأولى بطبيعة الحال التي يقصف فيها فضاء الاقتصاد الدولي، ففي سبعينيات القرن الماضي تفشى التضخم المصحوب بالركود في الولايات المتحدة لأسباب اقتصادية وجيوسياسية، ففضيحة ووترجيت للرئيس ريتشارد نيكسون، وتورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام، وارتفاع أسعار النفط، تسببت في انخفاض سوق الأسهم بينما ارتفعت الأسعار وأمسكت البطالة بتلابيب الاقتصاد الأمريكي، واستمر هذا الوضع رسميا من 1972 وإن كانت ملامحه قد ظهرت في 1969 بسبب زيادة الرعاية الاجتماعية والإنفاق على حرب فيتنام وامتد حتى الثمانينيات".
بالطبع كان الدرس الأول الذي تعلمه كبار المستثمرين الدوليين من تجربة الركود التضخمي، هو عدم قدرتهم على مواكبة هذا التحدي بالاعتماد على الاستثمار فقط في سوق الأسهم، لأن الركود في حد ذاته يتضمن ارتفاعا في معدلات البطالة ومن ثم خفض الإنتاج، وتراجع النمو وتقلب سوق الأسهم.
بدوره، يعتقد الخبير الاستثماري جاريت باتن، أن سوق العقارات ستشهد انتعاشا ملحوظا في الآونة المقبلة إذا ما تأكدت إصابة الاقتصاد الدولي بالركود التضخمي.
وقال لـ"الاقتصادية" "إن العقارات تميل لتحقيق أداء أفضل من الأسهم والسندات، خاصة إذا كان الاستثمار يتم في ظل رهن عقاري بسعر ثابت مرتبط بها، ويرجع ذلك إلى أن أسعار العقارات تتصاعد مع تصاعد معدلات التضخم بمرور الوقت، كما أنه سيظل هناك طلب متزايد على العقارات نتيجة الزيادة الدائمة في عدد السكان، يضاف إلى ذلك أن الفجوة بين الطلب والعرض في القطاع العقاري فجوة ذات طبيعة عالمية".
ويرى باتن أن أسعار مواد البناء ستواصل الارتفاع بشكل كبير في أوقات الركود التضخمي، خاصة إذا تواصلت أزمة سلاسل الإمداد الراهنة، ما سيزيد من تكلفة البناء الجديد، وهذا سيترجم في شكل ارتفاع ملحوظ في أسعار العقارات لعدم قدرة السوق على تلبية احتياجات الطلب.
ويلخص الخبير الاستثماري جاريت باتن أن الاستثمار في القطاع العقاري ربما يكون طوق النجاة للمستثمرين إذا ما اجتاحت عاصفة الركود التضخمي الاقتصاد الدولي.
في المقابل تعتقد مجموعة من الخبراء الاستثماريين أنه إذا أصبح التضخم المصحوب بالركود حقيقة واقعة فإن خير مجال استثماري سيكون في المعادن النفيسة وتحديدا الذهب.
في هذا الإطار، أوضح لـ"الاقتصادية" ايان بلاك المحلل المالي في بورصة لندن "غالبا ما يكون أداء الذهب جيدا في بيئة الركود التضخمي، وفي بعض المرات السابقة ارتفع الذهب بنسبة 22.1 في المائة بينما ارتفعت صناديق الاستثمار العقاري بـ6.5 في المائة فقط".
ويعتقد ايان بلاك أن هذا يبدو منطقيا لأن النظرة العامة للذهب أنه أصل آمن، وبالتالي يميل إلى الارتفاع في أوقات عدم اليقين الاقتصادي، وبينما ترتفع أسعار الفائدة الاسمية، فإن أسعار الفائدة الحقيقية تميل إلى الانخفاض في فترات الركود التضخمي، مع ارتفاع التضخم وانخفاض النمو، ومن ثم تقلل المعدلات الحقيقية المنخفضة من تكلفة الفرصة البديلة لامتلاك الأصول ذات العائد الصفري مثل الذهب، وبالتالي تتعزز جاذبيته لدى المستثمرين.
وإذا كان بعض الاقتصاديين يرون أن رفع المجلس الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة قد يكون له تأثير سلبي في إقبال المستثمرين على شراء الذهب لمواجهة الركود التضخمي، إذ توفر الفائدة المرتفعة جاذبية استثمارية لفكرة الودائع البنكية، إلا أن الطلب المتزايد على الذهب من قبل البنوك المركزية في الدول الأخرى خاصة البنك المركزي الأوروبي واليابان واستمرار التضخم في مساره المرتفع، يجعل المستثمرين يرون في الذهب قناة استثمارية مفيدة باعتباره ضمانا لأموالهم ضد انخفاض القوة الشرائية للعملة، خاصة في ظل رغبة أغلبية إن لم يكن جميع المستثمرين في تنوع محافظهم الاستثمارية.
بطبيعة الحال يحافظ الاستثمار في السلع الصناعية كالنفط والمعادن على جاذبيته التقليدية خلال فترات الركود التضخمي، فالتضخم بحكم التعريف يعني ارتفاعا في الأسعار، وبالتالي ارتفاعا في أسعار السلع، وعلى الجانب الآخر يضعف الركود الطلب على السلع الصناعية، ما يخفض من أسعارها، لذلك فإن أسعار السلع الصناعية في فترات الركود التضخمي تتصف بالتقلب في كثير من الأحيان.
لكن في الوقت الراهن فإن المشكلات الناجمة عن أزمات سلاسل الإمداد والحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا أحد أكبر منتجي بعض أنواع المعادن في العالم، يعني أن المعروض العالمي من السلع الصناعية سيكون لفترة طويلة أقل من الطلب العالمي، ما يعني زيادة أسعارها ويجعلها فرصة استثمارية جيدة في أوقات الركود التضخمي.
لكن أكثر القنوات الاستثمارية إثارة للجدل بين المستثمرين في أوقات الركود التضخمي فتتعلق بالأسهم، خاصة أنها تدخل ضمن فئة الأصول الاستثمارية الأساسية في محافظ المستثمرين، وهي فئة أصول كبيرة جدا وشديدة الأهمية والتنوع، وبالطبع فإن قيمتها تختلف عبر الصناعات ونماذج الأعمال بشكل كبير.
الخبير الاستثماري أن .دي مورسون يرى أن أهم الأسهم شهدت واحدة من أسوأ البدايات في تاريخها هذا العام وسط التهديد الذي يلوح في الأفق بالركود التضخمي.
مع ذلك يقول لـ"الاقتصادية" إن "الوقت قد حان لشراء أسهم الشركات ذات العوائد المرتفعة والتدفقات النقدية القوية، هذا النوع من الأسهم يلقى قبولا خلال فترات التضخم المرتفع وتباطؤ النمو الاقتصادي".
وبالنسبة لشركات الرعاية الصحية والأدوية وشركات المنتجات العسكرية وأشباه الموصلات والطاقة يتوقع أن تظل مزدهرة حتى في أوقات الركود التضخمي، لكن هذا لا يعني من وجهة نظره أن جميع الأسهم ستكون مجدية استثماريا.
ويضيف أن "العامل الحاسم في مجال الاستثمار في الأسهم يعتمد على التدفق النقدي والميزانية العمومية للشركة. وإذا كانت القوة الشرائية للعملة مستقرة نسبيا، فمن السهل على الشركات التخطيط للمستقبل، وإبرام عقود طويلة الأجل وما إلى ذلك، أما إذا كانت العملة غير مستقرة فإن ذلك يجعل التخطيط أكثر صعوبة، ومن ثم فإن محافظة السهم على قيمته أمر مشكوك فيه".
في المقابل هناك ما يشبه الإجماع على أن النقد والسندات قنوات غير محبذ الاستثمار فيها في أوقات الركود التضخمي، لأن عوائدها غالبا ما تكون أقل من مستوى التضخم، فالسند في نهاية المطاف هو وعد بدفع مبلغ معين من العملة في المستقبل، في وقت يتم فيه تراجع القوة الشرائية لتلك العملة نتيجة مستويات التضخم الآخذة في الارتفاع.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات