كيف نعاكس آثار سعر الفائدة؟

في التاريخ الاقتصادي القريب كان زوال سبب الأزمة يؤدي إلى تلاشي الآثار المصاحبة في معظم الاقتصادات، إلا أننا في الوقت الراهن نعيش أزمات اقتصادية ومالية ولوجستية وصحية وجيوسياسية متباينة، ولكل بلد ظروف اقتصادية مؤقتة وأخرى هيكلية.
عصف التضخم بقدر وافر من ثروات الأفراد، وفي كثير من دول العالم أصبحت الأسر غير قادرة على مواصلة الاستهلاك مع استمرار تآكل قدرات الطبقة المتوسطة وتنامي معدلات التضخم، كان لا بد من ترويض التضخم الذي وصل في أمريكا على سبيل المثال إلى 8.6 في المائة عبر رفع سعر الفائدة ومعالجة آثار التيسير الكمي وسحب السيولة التي أغرقت الأسواق بسبب كورونا.
في واقع الحال، الاقتصاد الأمريكي مهدد بالركود التضخمي طويل الأمد، والخروج منه يتطلب أعواما طويلة لا تقل عن عشرة أعوام من إدارة معدلات سعر الفائدة وتحفيز الاستثمار بطرق غير نقدية، لأن ارتفاع الفائدة يحد من الاستثمار ويرفع تكاليف الائتمان على الشركات، وبما أن الارتباط وثيق بين النمو والتوظيف، فإن معدلات الوظائف ستتراجع، وقد نشهد ساعات عمل أقصر، فتأثير سعر الفائدة سيظل عقبة أمام التعافي الاقتصادي ما لم تتحسن الظروف التي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع على المستوى العالمي ونراها ظروفا مؤقتة، أما المشكلة الهيكلية في الاقتصاد الأمريكي فتكمن في معدل الدين المرتفع 30.5 تريليون دولار ويمثل 129.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، في مقابل أنه كان عام 1980 لا يتخطى 34.6 في المائة من الناتج وكان التضخم آنذاك 13.5 في المائة، لذا لا نستبعد وصول التضخم إلى 13 في المائة قريبا.
بعد أن عرفنا تحديات الاقتصاد الأمريكي، ماذا على دولنا في الخليج فعله للاستفادة بشكل أفضل من ارتفاع أسعار النفط؟ نحن الأكثر حظا في القدرة على استخدام السياسات المالية ضد الآثار الناتجة من رفع الفائدة حتى نحافظ على النمو والتنمية وتقليص الضغوط التضخمية عن المستهلكين.
إذا كان سعر الفائدة يؤدي إلى تراجع الطلب الكلي لقطاع المستهلكين ومعدلات الاستثمار للقطاع الخاص، هنا يأتي دور وأهمية تحفيز الاقتصاد بالسياسات المالية عبر الأموال المتولدة من النفط، لأن أسعار النفط تعطي فرصة مثالية لتقديم الأموال للأسواق المحلية ومواصلة مشاريعنا التنموية والاستثمارية مع ضرورة المحافظة على ديون لا تتجاوز 30 في المائة من الناتج المحلي كهامش أمان استراتيجي.
أخيرا: نرى أن مسار التعافي للاقتصاد العالمي مسار شاق وطويل، وعلينا القيام بواجباتنا للتوازن بين إدارة الاقتصاد للمسائل الاقتصادية المؤقتة والهيكلية وتحجيم آثار رفع أسعار الفائدة، وهذا يتطلب منا تصميم سياسات متوازنة وبرامج سريعة تعمل على زيادة عدد المتنافسين في التجارة الداخلية والصناعة في المجالات الاستراتيجية داخليا وتستهلك الجزء الأكبر من فاتورة الواردات ورفع معدلات التوظيف والأجور عبر السياسات المالية التوسعية مع التركيز على المشاريع التي ترفع ميزان التجارة الخارجية التنافسية غير النفطية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي