تسوية من أجل الانتصار وتحقيق السلام «2 من 2»
أثارت الإشارة الى الابتزاز الأخلاقي والساخطين الذين يوجهون الاتهامات ردود فعل من الحمائم والصقور على التوالي ففي أول الرسائل المفتوحة التي تلت ذلك دعت أليس شفارتزر وهي من أبرز الناشطات في مجال حقوق المرأة في ألمانيا والموقعون معها على الرسالة إلى وقف تسليم الأسلحة لأوكرانيا وبينما أقروا بوجود واجب سياسي وأخلاقي أساسي بعدم التراجع في مواجهة العنف العدائي دون مقاومة، إلا أنهم يريدون ألمانيا أن تسعى إلى تسوية مقبولة لجميع الأطراف حتى لو أدى ذلك الى إعطاء بوتين شكلا من أشكال النصر وإلا فإن ألمانيا ستقبل بمخاطرة واضحة قد تؤدي إلى تصاعد هذه الحرب إلى صراع نووي.
لكن سرعان ما تلت تلك الرسالة رسالة مفتوحة أخرى بوجهة نظر معاكسة. لقد صاغ تلك الرسالة التي كتبت بالألمانية والإنجليزية رالف فوكس وهو سياسي سابق من حزب الخضر ومدير سابق لمؤسسة هاينريش بول الذي يقود الآن مركز الأبحاث "الحداثة الليبرالية". لقد حث فوكس والموقعون معه على الرسالة شولتز على سرعة تزويد أوكرانيا بكل الأسلحة المتاحة التي تحتاج إليها لصد الغزو الروسي وفرض حظر على صادرات الطاقة الروسية من أجل حرمان النظام من الوسائل المالية للحرب، إضافة إلى إعطاء أوكرانيا إمكانية ملزمة من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي. وهم يجادلون بأن كل هذا ضروري لضمان أمن أوروبا ومنع ارتكاب مزيد من الجرائم ضد الإنسانية.
بينما يجادل أحد الأطراف بإن السلام السيئ "مكافأة المعتدي" هو أفضل من استمرار الحرب، يجادل الطرف الآخر بأن الحرب الجيدة "معاقبة المعتدي" هي الطريقة الوحيدة للتحقق من وجود سلام مستقر، وبينما واجهت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا تلك المعضلة في الماضي "تذكروا استرضاء نيفيل تشامبرلين رئيس الوزراء البريطاني لهتلر عام 1938"، فإن ألمانيا ليست معتادة على التعامل مع تلك المعضلات الأخلاقية.
ومنذ ظهور الرسائل المفتوحة ازداد الجدل والمزاج العام حدة وتصلبت المواقف وأصبحت جهود هابرماس لتشجيع اجراء مناقشات متوازنة ومحسوبة غير مجدية، ورغم أن ألمانيا تتمتع بثقافة غنية فيما يتعلق بإجراء المناقشات، إلا أنها تجنبت مناقشة بعض القضايا لفترة طويلة جدا. يفخر السكان بديمقراطيتهم الليبرالية وثقافتهم السياسية السلمية ولم يروا عموما أي حاجة إلى التشكيك في تلك المؤسسات.
رغم ضراوة الجدل الدائر في ألمانيا حول أوكرانيا، إلا أنه يوفر أيضا الطمأنينة لأنه يحدث ضمن التيار السياسي السائد وليس على الهامش وفي حين أن هناك اختلافات واضحة بين الأحزاب السياسية، الا أنه يوجد أيضا دعم كبير لكل توجه داخل كل منها.
لقد كان كاتبا الرسائل شفارتزر وفوكس يعدان في الماضي جزءا من الثقافة الألمانية المضادة لكنهما الآن يجدان أنفسهما في قلب العمل السياسي. لقد قدما للبلد خدمة عظيمة من خلال إجبار الألمان على التفكير في تداعيات الالتزامات السياسية التي يتم اختبارها أخيرا.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.