Author

سوق الأسهم في المسار الصاعد 2005 نفسه

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
كل الظروف مهيأة اليوم لتمضي السوق السعودية في الاتجاه الصاعد نفسه، الذي مضت فيه 2005، ليس بالضرورة بالحدة نفسها، لكن إلى القمم نفسها بإذن الله، عندما أتحدث عن الظروف، فإنني أقصد هنا العوامل الاستثمارية المحفزة، فلقد كانت تجربة الصعود من مستوى 6500 نقطة 2020، حتى الوصول لقمة 13700 رحلة ممتعة لكل من مر بهذه التجربة، ولقد عض كثير منا أنامل الندم على ضياع الفرصة حتى مع جني الأرباح الحاد حاليا، والمتأمل سيجدها رحلة الصعود المحفزة نفسها التي حدثت 2005، وفي اعتقادي أن التجربة قد تتكرر في قريب منظور.
سوق الأسهم تبدو الأكثر وضوحا من بين كل صور الاستثمار في المملكة، فلا عوائق في الدخول، ولا غرامات بلدية، ولا رخص ورسوم عمل، لا مشكلة مع الدفاع المدني، ولن تكون بحاجة إلى التسجيل في ضريبة القيمة المضافة، العوائق خارج السوق المالية كثيرة، في المقابل تفقد السوق العقارية زخمها من حيث كثرة التنظيمات التي أدخلت عليها، فلم يعد هناك من يستطيع البقاء في السوق ما لم يكن من أهلها سابقا، من استطاع إنجاز تكوين رأسمالي كبير قد يمكنه الصمود. كل هذه الأوضاع تذكرني بالمشهد نفسه الذي كانت عليه السوق المالية قبل 2004، لقد كان النمو في القطاع العقاري نحو 5.1 في المائة، وهو كذلك عند 5.6 في المائة في 2021، لقد كان دخول شركة الاتصالات للسوق 2003 هي نقطة ارتكاز المسار الصاعد، الذي لم يتوقف حتى بلغت السوق ذروة 19000 عام 2006، وفي كانون الأول (ديسمبر) 2019 تم إدراج شركة أرامكو والسوق عند منعطف 6500 نقطة، لتبدأ بعدها رحلة الصعود رغم كل الظروف الاقتصادية التي مر بها العالم، إذن هو المشهد نفسه تماما، ولا أرى إلا أن تأخذ السوق المسار نفسه، فلا شيء بإذن الله سيمنع ذلك تقريبا.
بعد إدراج شركة الاتصالات دخل كثير من الدماء الجديدة للسوق المالية، نظرا لأن الجميع يدرك ما هي الاتصالات وما هو المستقبل، ولم يكن أحد ليقبل بمرارة تأنيب الضمير لعدم الاستثمار فيها، دخلت تلك الأموال ولم تخرج من السوق، ذلك أن من تعلم التداول والمضاربات وتذوق طعم سهولة البيع والشراء في تقنيات السوق المالية لا يكاد يصبر عنها، وهكذا في عام واحد صعدت سوق الأسهم السعودية 85 في المائة، لتصل في نهاية 2004 إلى 8300 نقطة، ثم استمرت السوق في تحقيق ارتفاعات طوال 2005 حتى بلغت نسبته 104 في المائة مع نهاية العام عند "16712" نقطة، في مقابل ذلك بدأت السوق المالية بعد دخول أرامكو 2020 عند عتبة 65000 نقطة، وهي أعلى من تلك التي بدأتها 2004، وأنهت العام عند مستوى أعلى قليلا من 8600 وهي كذلك أعلى قليلا من تلك التي وصلتها في نهاية 2004، لكنها حققت النتيجة نفسها تقريبا، كما أنها استطاعت أن تنهي 2021 وهي عند مستوى 12200، أي بنمو يتجاوز 40 في المائة، وهذا وإن كان يبدو في ظاهره خروجا عن مسار 2005، لكن ذلك طبيعي جدا، فالسوق تعلمت من أخطاء القفزة الضخمة التي حدثت 2005 ولا ترغب في تكرارها، فقد تجاوز مكرر ربحية سوق الأسهم السعودية 40 مكررا في ذلك العام، وقد كانت تزيد بكثير على معدل مكرر الربحية في أسواق أسهم الدول الناشئة الذي بلغ نحو 15 مكررا، ما دق ناقوس الخطر حينها، لذلك تعلمت السوق الحذر من القفزات غير المنطقية، ولهذا تستعجل جني الأرباح كلما سنحت الفرصة لذلك، لكن نستكمل المشهد الآن فقد واصلت السوق الاتجاه نفسه في هذا العام 2021 بالصعود القوي حتي وصلت في منتصف المسار الذي سارت فيه 2005 إلى مستوى 13400، وهو المستوى الذي قررت فيه السوق حينها القيام بجني الأرباح، فتعطلت عجلة الصعود طوال فترة صيف 2005، لكن السوق كانت شديدة المقاومة للنزول التصحيحي حينها، فلم تكن قد تعلمت الدروس القاسية بعد، واليوم تصل إلى المستوى نفسه في منتصف العام تقريبا مع وصول عتبة 13700 لتأخذ القرار الذي لم تأخذه 2005 وتبدأ عملية جني أرباح قاسية لكنها صحية، ذلك أن الجميع وخاصة المؤسسات الاستثمارية لا تريد العودة للسوق إلا بعد ضمانات قوية للعتبات المقبلة.
هذه هي الصورة، كل العوامل متقاربة، فالسوق العقارية عند مستوى النمو نفسه تقريبا، وهي المنافس الأشد ضراوة للسوق المالية، تكلفة الفرصة البديلة للدخول في قطاعات استثمارية مباشرة عالية، فالسوق المالية في عام واحد قادرة على منح عوائد أفضل، سواء رأسمالية أو توزيعات، الظروف السياسية، حتى الأخبار العامة، ومن عاد إلى أخبار 2005 يجد الظروف تقريبا متقاربة، لم يبق إلا أن تعود السوق للمسار الصاعد حتى تتجاوز مستويات 19 ألف نقطة، ولا أظنها بعيدة عن منتصف 2023 مع الأخذ في الحسبان تجربة القفزات السعرية التي تتحفظ السوق في مقابلها بجني مستمر وعاجل. بقي القول إن الأسواق المالية تحب التأرجح، تحب الصعود والهبوط، تحب لحظات جني الأرباح، يتذمر عادة من دخل في اللحظات الأخيرة، ويقلق من بدأ مبكرا.
إنشرها