سلعة أساسية .. ما الحلول؟
يعيش العالم حالة استنفار صعبة بسبب ارتفاع أسعار القمح، بعد أن بدأت بعض الدول المنتجة للقمح بحظر بيع محصولها، وترجيحات بانخفاض المحصول العالمي للمرة الأولى خلال أربعة أعوام.
وربما يقود هذا الوضع بعض دول العالم إلى مجاعة تهددها، بالنظر إلى أن معظم الشعوب تعتمد على القمح مادة رئيسة، إلى جانب أنه يدخل في صناعات غذائية كثيرة. ولا تتوقف الجهات الدولية المعنية بالغذاء العالمي عن إطلاق التحذيرات المتتالية بشأن المخاطر التي تواجه صادرات الحبوب عموما، والقمح مادة غذائية أساسية رخيصة خصوصا، فالدول التي تعتمد على الواردات من القمح تعاني أصلا هشاشة في اقتصاداتها انعكست بقوة على أوضاعها الاجتماعية والمعيشية.
الحرب الدائرة في أوكرانيا حاليا، عمقت أزمة إمدادات هذه السلعة، إضافة طبعا إلى سلع أساسية أخرى مثل الذرة والشوفان، والشعير، وزيوت الطعام، حتى الأسمدة. ويبقى القمح المادة الأكثر حساسية في مجال الإمدادات الغذائية عموما، وأوكرانيا "كما روسيا" تحتل مراتب عليا في تصديره على المستوى العالمي، فكييف وحدها تشكل ما بين 12 و13 في المائة من صادرات القمح العالمية، وتصدر روسيا سنويا 32 مليون طن سنويا، في حين بلغت صادرات أوكرانيا من هذه المادة 20 مليون طن، وهي نسب مرتفعة جدا في سوق الحبوب عموما. وإذا كانت هناك بدائل لسلع غذائية يمكن الاعتماد عليها بصورة أو بأخرى، فإن الأمر ليس بالنسبة إلى القمح، الذي يعد المحور الرئيس للأمن الغذائي في العالم.
كما أن هذه السلعة تتطلب بيئة زراعية ليست متوافرة في معظم الدول، ما يجعل عشر دول "منها روسيا وأوكرانيا وأستراليا والولايات المتحدة" على رأس المنتجين والمصدرين، مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة خفضت في الأعوام الماضية إنتاجها من القمح، ورفعت من إنتاجها من الذرة والحبوب الأخرى، خصوصا فول الصويا، لأسباب تتعلق بالطلب الداخلي. ومن هنا يأتي الخوف على نقص إمدادات القمح، حتى إن الجهات المختصة بأمن بمتابعة وضع الأمن الغذائي في الأمم المتحدة، أطلقت أخيرا تحذيرا قويا من مخاطر هذا النقص، بل ناشدت وحذرت روسيا، لفك احتجاز ملايين الأطنان من القمح في الموانئ الأوكرانية التي تسيطر موسكو عليها منذ بدء الحرب.
لا توجد دولة تعتمد على القمح المستورد يمكنها أن تأمن من الحالة الراهنة لهذه السلع، بما في ذلك دول متقدمة، وتحديدا في أوروبا التي تستورد جزءا من احتياجاتها من أوكرانيا وروسيا، لكن الأمر الأخطر يبقى على ساحة الدول النامية، أو تلك التي توصف بالأشد فقرا، وتعتمد على معظم واردات القمح من السوق العالمية، بما فيها هذان البلدان.
والمشكلة الراهنة لا تتعلق فقط بنقص إمدادات هذه السلعة، بل تشمل أيضا ارتفاعا طبيعيا لأسعارها، وزاد من ضغوط الموجة التضخمية التي يعيشها العالم أجمع، خصوصا الدول الهشة اقتصاديا، فضلا عن الضغوط الأخرى الآتية من ارتفاع أسعار الطاقة بأنواعها نتيجة الحرب بين موسكو وكييف.
أمام هذا المشهد، يبحث العالم عن بدائل لتأمين إمدادات القمح، إلا أنها ليست سهلة على الإطلاق، في ظل زيادة حجم الحمائية على المستوى الدولي، فحتى الهند قررت قبل أيام وقف صادرات القمح لدعم أمنها الغذائي. والذي يزيد من حجم الأزمة، أن الجهات الدولية المختصة حذرت مسبقا من موجات جفاف هذا الصيف ستضرب بالضرورة الإنتاج الزراعي عموما، وإنتاج الحبوب خاصة، بما في ذلك دول في حوض البحر المتوسط، فالكل يبحث عن تأمين الاحتياطي الاستراتيجي من القمح، إلا أن المخاطر ترتفع يوما بعد يوم. لكن تبقى المشكلة الأكبر، وهي العجز عن تعويض أوكرانيا كمصدر أساسي للحبوب عموما، والقمح تحديدا.
إن القمح، وهو "من الحبوب الرئيسية (في غذاء) مليارات البشر"، يقع في صلب نزاع في الأسواق العالمية التي هزتها الحرب في أوكرانيا وعواقبها، ولذلك فإنه يعد "خطرا مستداما" يخيم على الأمن الغذائي للدول الهشة، في ظل الارتفاع المفاجئ في الأسعار وإجراءات الحماية، وبالتالي فإن لا شيء يعوض غياب أوكرانيا.
ووفقا لهذا الوضع، لا حلول واضحة لهذه الأزمة المتصاعدة، إلا بوقف الحرب في منطقة تمثل موردا لا يمكن الاستغناء عنه من القمح للعالم أجمع، بينما الخوف يتصاعد أيضا من أن يتسبب نقص القمح في اضطرابات سياسية واجتماعية في دول لا تتمتع بالاستقرار.
أخيرا، وبعيدا عن الجانب الغذائي، يبقى القمح منتجا مهما اجتماعيا إلى حد كبير، إذ يسمح بصنع طعام بتكلفة منخفضة، وفي الأغلب ما يكون مدعوما، ولذلك فإن الفترة المقبلة ستشكل مرحلة مهمة تجاه هذه السلعة الضرورية لغذاء البشر.