الشايب والعجوز
في جلسة نقاش ضمت عددا من النساء، أخبرتنا إحداهن عن خبر "يفشل" حسب وصفها، وهو زواج عمتها الأرملة ذات الـ50 عاما من رجل يصغرها بـ15 عاما. شهقات الحضور واستنكارهن كان هو السائد، بل ذهب البعض منهن إلى إطلاق الأحكام المسبقة بأن هذا الشاب يستغلها وطامع في أموالها وبعد فترة سيتخلى عنها، ثم قالت أخرى "طيب وعيالها مساكين كيف تلقوا الخبر؟"، بينما قالت الثانية، كيف عجوز في سنها وتتجرأ على فعل ذلك؟ مثل هذه الأخبار التي يكون لها ردة فعل مجتمعية متحيزة، أظن أن الوقت حان لتغييرها. لو قلبنا الخبر؛ فكان العم الأرمل هو من تزوج فتاة تصغره بـ15 عاما لكان الخبر عاديا، كما أنهم لن يهتموا بردة فعل أبنائه المتزوجين المستقلين في حياتهم وبيوتهم، ولن يتهموا زوجته الشابة بالطمع. بعض الأعراف البالية التي لا تستند إلى الشرع ولا إلى السنة يجب ألا تنبثق أحكامنا البشرية الناقصة منها. رسولنا ـ عليه الصلاة والسلام ـ تزوج خديجة، وهي في الـ40 وهو في الـ25، ولم يشكل هذا الفارق سدا أمام قصة حب خالدة ظل الحبيب ـ عليه السلام ـ وفيا لذكراها حتى مماته، والمذاهب الأربعة تتفق بالإجماع على جواز ارتباط المرأة برجل يصغرها. إن مفهوم الكيل بمكيالين والأحكام المتحيزة سيسهم في نشوء أجيال ترفض الاعتراف بأحقية الآخرين في اتخاذ قراراتهم والعيش ضمن الإطار الذي يعتقدون أنه سيجلب لهم السعادة، ولا يتعارض مع الشرع والسنة، لكنه يصطدم بالعرف.
مثل هذه السيدة الأرملة التي اتخذت قرارها بالارتباط بزوج يصغرها تجدد فيه شبابها ويشعرها بجمال الحياة من جديد، ويدخل البهجة على حياتها الصامتة وتتخذه مؤنسا لوحدتها وصديقا تحادثه وتسافر معه... لا أحقية لنا في استنكار فعلتها وإظهار الشفقة على أبنائها وكأنها جلبت لهم العار، بينما قد يمر الأسبوع والأسبوعان و"عيالها" لم يزوروها بحجة انشغالهم بزوجاتهم وأبنائهم، وهي التي أفنت عمرها من أجلهم. في عصرنا الحالي نجد قصة زواج ناجحة للرئيس الفرنسي ماكرون الذي تزوج من زوجته بريجيت حين كان يبلغ الـ30 بينما هي في الـ54، أي أن الفارق بينهما 24 عاما وما زال متمسكا بها رغم مرور أكثر من 15 عاما.
وخزة:
الكيل بمكيالين بين حق الشايب في الارتباط بفتاة تصغره وحق العجوز في الارتباط بشاب يصغرها هو تحيز للأول دون الثانية، وهو تطفيف سيحاسبنا الله عليه.