Author

طباع الأيام

|
الدنيا التي يعيشها الإنسان هي مجموعة أعوام والأعوام مجموعة شهور والشهور هي الأخرى مجموعة أيام وهكذا، حتى نصل إلى الثواني واللحظات التي سرعان ما تنقضي بخيرها وشرها وحلوها ومرها. يصعب على بعض الناس فهم حقيقة الدنيا وما جبلت عليه، فتجده يغضب حين تنتابه حوادث الدهر، وكأنه بهذا التصرف يريدها دوما سعادة وسرورا. وهذا بلا شك أمر متعذر لم يتحقق لخير البشر وأحبهم إلى الله فكيف بمن هو دونهم. حقيقة ربانية مقررة "خلق الإنسان في كبد". من هنا كان لزاما على الإنسان أن يعود نفسه على كيفية التعامل مع الدنيا ومع طباع أيامها، ويتيقن أنها تتقلب بين فرح وترح، وصحة ومرض، وسعادة وشقاء. فليحمد الله ويأنس بما يأتيه من صفاء وراحة بال وليوطن نفسه على أن ذلك قد لا يستمر فالدنيا لا تدوم على حال. "يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار". وصدق الشاعر التهامي الذي فجع بوفاة ولده وهو لا زال شابا حين وصف الدنيا:
حكم المنية في البرية جار
ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا
فإذا به خبرا من الأخبار
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفوا من الأقذاء والأكدار
فالعيش نوم والمنية يقظة
والمرء بينهما خيال سار
إن المتأمل في طباع الأيام وحال الدنيا ليأخذ العجب منه كل مأخذ، ففي المدرسة نتعلم الدروس ثم نواجه الامتحانات على حين أنه في الدنيا نواجه الامتحانات ثم نتعلم الدروس! إنه لا يمكن تصور الدنيا دون مشكلات، لكن تتحقق السعادة بالتغلب عليها. لقد رسم الحق -سبحانه وتعالى- الأسلوب الأمثل للإنسان في كيف يتعامل مع الدنيا. "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا". اعمل في الدنيا واجتهد وأخلص النية في كل أحوالك تؤجر عليها، لكن كن على حذر من أن تنغمس فيها بكليتك حتى لا تجد نفسك وقد غاصت أقدامك في مستنقع طيني يصعب عليك حينها الفكاك منه. الدنيا جميلة حين يكون الإنسان في رخاء وسعادة وأنس، لكنها سرعان ما قد تنقلب لتكشر عن أنيابها، ولذا فإنه من المتحتم على الإنسان العاقل أن يتقبلها كما هي، وألا يكلف الأيام فوق طباعها وأن يعلم يقينا أنها دار ممر لا دار مقر.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها