حيازات الدين السيادي لدى البنوك «2 من 2»

ما الذي يحفز وجود حلقة الدمار المتبادل في بلد ما؟ من شأن التشديد الحاد للأوضاع المالية العالمية - الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع قيم العملات بسبب عودة السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة إلى الأوضاع العادية وتصاعد التوترات الجغرافية / السياسية من جراء الحرب في أوكرانيا - تقويض ثقة المستثمرين بقدرة حكومات الأسواق الصاعدة على سداد ديونها. وقد ينشأ عن الصدمات المحلية، مثل التباطؤ الاقتصادي غير المتوقع، التأثير نفسه.
تناول نقاشنا حتى الآن إحدى قنوات انتقال المخاطر ـ وهي انكشاف البنوك للدين السيادي. ويناقش الفصل الثاني من تقرير الاستقرار المالي العالمي قناتين أخريين يحتمل انتقال المخاطر من خلالهما فيما بين القطاع السيادي والقطاع المصرفي.
وترتبط إحدى هاتين القناتين بالبرامج الحكومية، مثل برامج التأمين على الودائع، التي تهدف إلى دعم البنوك في أوقات الضغوط. ومن شأن الضغوط على مالية الحكومة الإضرار بمصداقية تلك الضمانات، وإضعاف ثقة المستثمرين، ما يؤثر سلبا في ربحية البنوك في نهاية المطاف. وسيضطر المقرضون المتعثرون حينها إلى اللجوء للحكومة لإنقاذهم، ما سيفرض مزيدا من الضغوط على مالية القطاع العام.
وتعمل القناة الأخرى من خلال الاقتصاد الأوسع. فمن الممكن أن تؤدي صدمة في المالية العامة إلى رفع أسعار الفائدة على مستوى الاقتصاد ككل، وبالتالي الإضرار بربحية الشركات وزيادة مخاطر الائتمان بالنسبة إلى البنوك. وقد يؤدي ذلك بدوره إلى الحد من قدرة البنوك على إقراض الأسر وعملائها الآخرين من الشركات، ما يتسبب في كبح النمو الاقتصادي.
يمكن لكل ما سبق أن يضع بعض حكومات الأسواق الصاعدة في موقف صعب. فمن ناحية، يقتضي تباطؤ التعافي استمرار هذه الحكومات في الإنفاق لدعم النمو. غير أن تزايد العوائد في الاقتصادات المتقدمة تزامنا مع بدء عودة البنوك المركزية إلى سياساتها النقدية العادية قد يجعل ديون الأسواق الصاعدة أقل جذبا للمستثمرين، ما ينشأ عنه ضغوط رافعة لتكلفة الاقتراض. لذلك يتعين توخي الحيطة المالية لتجنب تزايد حدة الارتباط بين الكيانات السيادية والبنوك. كذلك يمكن للحكومات تعزيز ثقة المستثمرين في أوضاعها المالية من خلال وضع خطط موثوقة لتقليص العجز على المدى المتوسط.
ومن المهم أيضا دعم صلابة القطاع المصرفي من خلال الحفاظ على هوامش الأمان الرأسمالية لامتصاص الخسائر. ويمكن تحقيق ذلك من خلال خفض المبالغ المالية التي تقوم البنوك بتوزيعها على مساهميها في صورة توزيعات أرباح وعمليات لإعادة شراء الأسهم، ولا سيما في ظل درجة عدم اليقين الكبيرة التي تحيط بآفاق الاقتصاد. وبمجرد انتهاء المدة المقررة لتأجيل مدفوعات القروض، قد يكون من الضروري مراجعة جودة الأصول لقياس الخسائر المستترة والكشف عن البنوك الضعيفة لتحديد مستويات الكفاية الرأسمالية.
ماذا بمقدور صناع السياسات فعله أيضا لحماية أنفسهم؟ يتعين تصميم حلول تتناسب مع ظروف كل بلد، التي تتفاوت بدرجة كبيرة فيما بينها. ولكن ينبغي لهم بوجه عام: أولا، وضع أطر لتسوية الدين المحلي السيادي لتسهيل الحد من الرفع المالي وإعادة الهيكلة على نحو منظم عند اللزوم. ثانيا، زيادة الشفافية بشأن جميع الانكشافات السيادية الجوهرية لدى البنوك بغرض تقييم المخاطر الناجمة عن احتمالات التعثر السيادي. ثالثا، إجراء اختبارات لقدرة البنوك على تحمل الضغوط، مع مراعاة مختلف قنوات انتقال المخاطر عبر الرابطة بين البنوك والكيانات السيادية. رابعا، النظر في الخيارات المتاحة للحد من قوة هذه الرابطة - بما في ذلك تطبيق رسوم رأسمالية إضافية على حيازات البنوك من السندات السيادية التي تتجاوز حدودا معينة - بمجرد ترسخ التعافي بقوة أكبر وحسب الظروف السوقية. خامسا، تعزيز إجراءات تصفية أعمال البنوك على نحو منظم عند اللزوم وتوفير السيولة في أوقات الأزمات. سادسا، التشجيع على تعميق وتنويع قاعدة المستثمرين لتعزيز الصلابة السوقية في الدول التي تفتقر فيها أسواق السندات المقومة بالعملة المحلية إلى التطور اللازم.
ومن شأن السياسات السليمة مساعدة اقتصادات الأسواق الصاعدة على كبح الرابطة بين الكيانات السيادية والبنوك والحد من خطر اندلاع الأزمات المالية والاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي