مجلس ثقافي

من من المسلمين في العالم لا يعرف إذاعة القرآن الكريم من السعودية؟ أكاد أجزم أنها الإذاعة الأكثر استماعا بين الإذاعات، لأن حتى الناطقين بغير العربية يستمعون إليها لتعلم وحفظ القرآن وإرواء عطشهم وشوقهم إلى سماع تلاوته من أفضل القراء المسلمين المعروفين.
هذه الإذاعة تدخل جميع البيوت والمحال التجارية ووسائل المواصلات، يتفق عليها الجميع لأن رسالتها السامية تحتوي على تقديم كلام الله عزوجل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والفقه الإسلامي بوسطية واعتدال.
محتوى الإذاعة الأساس هو تلاوات القرآن، أي أنه أرقى ما يكون كمكانة وجدانية، إلا أن إيصال هذا الرقي يحتاج إلى جذب المستمعين أكثر، وهذا ما يبدو أنه يحدث أخيرا في هذه الإذاعة.
أرصد من عامين مضيا تطورا لافتا في القالب الذي يقدم فيه المحتوى القرآني الكريم، ورصدي - للأمانة - كان خلال رمضان حيث أستمع إليها أكثر، التطور الذي زادت معه شريحة المتابعين والمتفاعلين مع الإذاعة خصوصا بين الأطفال والناشئة.
تقدم الإذاعة مثلا كل يوم سورة من قصار السور وتفتح المجال للجميع للاتصال والتلاوة، ويقوم أحد المتخصصين بتصحيح تلاوات الأطفال والكبار المشاركين من الجنسين، ولو تابعت هذا البرنامج عصرا لاكتشفت أن لديك أخطاء غير متوقعة في تلاوتك وحفظك لسور عددت لفظك لها صحيحا ومسلما به، وما أكثر المسلمات في حياتنا التي تحتاج إلى مراجعة.
أحد أهم البرامج التي تقدمها الإذاعة وهو في الحقيقة السبب الرئيس لكتابتي وإشادتي هو برنامج " مجلس القراء" المسائي، حيث يجتمع يوميا مجموعة مميزة من علماء القرآن وقرائه والمتخصصين والباحثين يتحدثون بأريحية وبلغة تصل إلى مستوى فهم الجميع عن موضوعات جاذبة وشائقة.
يناقش هذا المجلس القراءات السبع، وبعض الألفاظ الدارجة في كثير من المجتمعات العربية ولحونها ونغماتها التي تقارب هذه القراءات، ويناقش قصص القراء المشهورين، ويعطيك جرعة ثقافية لغوية مهمة، إضافة إلى أنه يذكر بأدبيات القراء والمرتلين، وشوائب بعضهم ممن يتاجرون بالقرآن وكثير من الأمور التي تهم المهتم بعلوم القرآن وقراءاته.
إنه جرعة قرآنية وثقافية ولفظية وأسلوبية تهم من يهتم بالقراءة والكتابة إجمالا، حتى لو لم يكن من الحفاظ وأصحاب التلاوة، إنه بمنزلة مجلس ثقافي ماتع فيه مشاركون من مشارب مختلفة، وثقافات متعددة، إنه نموذج للتطور الفكري لهذه الإذاعة.
تحتاج الإذاعة إلى المزيد بالطبع وطيلة شهور العام، لكي تحافظ على مركزها، فهي إرث إعلامي سعودي مهم ومميز، ينبغي الحفاظ عليه وتطويره وخروجه إلى المنصات الجاذبة لأهل هذا الزمان الرقمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي