النمو والركود .. اضطراب ومخاطر

يشهد الاقتصاد العالمي اضطرابا في اتجاهات النمو منذ عام 2008، فما إن يحقق بعض الانتعاش في عام ويسود التفاؤل حتى يعود إلى الركود في العام الذي يليه مباشرة.
وفي تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2019 أي قبل جائحة كورونا نشر صندوق النقد الدولي تقاريره منوها فيها إلى أن النمو قد بلغ ذروة قاربت 4 في المائة في 2017، ثم انخفض إلى 3.6 في المائة في 2018، ومن المتوقع أن يزداد انخفاضا إلى 3.3 في المائة في 2019.
وجاء تعليق صندوق النقد على هذا الاتجاه بالقول إن النشاط الاقتصادي كان يتحرك بمعدل سريع في كل مناطق العالم تقريبا لكن تغيرت أمور كثيرة بسبب تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والضغوط الاقتصادية الكلية في الأرجنتين وتركيا، والاضطرابات في قطاع صناعة السيارات في ألمانيا، وتشديد سياسات الائتمان في الصين، حيث أسهمت جميعا في إضعاف النمو العالمي إلى حد كبير، خاصة في النصف الثاني من 2018، ثم انخفض النمو في 2019 في 70 في المائة من الاقتصاد العالمي.
لقد كان هناك بعض التفاؤل الذي ساده الهدوء مرة أخرى في 2020 وعاود الاقتصاد العالمي مسارات النمو مع معالجة التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وتراجع حدة الحرب الاقتصادية التي تمثلت في الرسوم الجمركية والرسوم المضادة، لكن التفاؤل تحول بسرعة إلى تشاؤم مفرط مع ما تسببت فيه جائحة فيروس كورونا من انهيار في النشاط الاقتصادي العالمي، وتنبؤات بكساد لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
وصدر تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية لعام 2020 بتأكيد انكماش الاقتصاد العالمي 5.2 في المائة، وانكماش الاقتصادات المتقدمة 7 في المائة، نتيجة الاضطرابات الشديدة التي أصابت جانبي الطلب والعرض وانخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل 3.6 في المائة، متسببا في سقوط ملايين من الناس في براثن الفقر المدقع في ذلك العام.
من اللافت في الأمر أن الجائحة قد وحدت العالم من جديد، حيث قادت مجموعة العشرين برئاسة السعودية حينها العالم وجميع الأطراف من دول مانحة ومؤسسات دولية وقطاع خاص إلى دعم الدول الفقيرة، وتم فعليا تأجيل سداد خدمة ديونها حتى نهاية 2020، ثم مددت لاحقا حتى نهاية 2021.
كما عملت مجموعة العشرين على إطار مشترك يهدف إلى إعادة هيكلة، أو حتى إلغاء ديون الدول الفقيرة، إضافة إلى دعم مؤسسات الأبحاث للوصول السريع إلى لقاح يسهم في مواجهة الجائحة، وهو ما حدث في بدايات 2021، التي حملت معها كثيرا من التفاؤل بشأن عودة الاقتصاد العالمي للنمو مرة أخرى، فجاءت توقعات صندوق النقد الدولي بنمو بلغ 5.5 في المائة مع تراجع هذا النمو قليلا في 2022 ليصل إلى 4.1 في المائة متوقعا عودة مستويات الناتج والاستثمار في الاقتصادات المتقدمة إلى الاتجاهات التي كانت عليها قبل الجائحة.
وتمثلت الأسباب الكامنة خلف تقديرات تراجع النمو القوي بعد الخروج من الأزمة إلى قضايا تشمل انحسار الدعم المتاح من المالية العامة في عدد من الدول، مع استمرار الاختناقات على جانب العرض مع مخاطر ظهور موجات جديدة متزامنة للجائحة، تتسبب في استمرار تعطل الإمدادات، وخروج توقعات التضخم بعيدا عن المستهدف في الأجل الطويل، فلم يكن من بين هذه الأسباب توقعات بحرب شاملة تهدد الإمدادات العالمية من الطاقة كالتي يشهدها العالم اليوم بين روسيا وأوكرانيا.
بالأمس ووفقا لتقرير نشرته "الاقتصادية" أعلن رئيس البنك الدولي، أمس، خفض توقعات البنك للنمو العالمي لعام 2022 بنحو نقطة مئوية كاملة، من 4.1 في المائة إلى 3.2 في المائة، بسبب تداعيات التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
ويتوقع رئيس البنك الدولي استمرار أزمة الديون في التفاقم 2022، مع ارتفاع مديونية الدول الفقيرة، التي تعاني ضغوطا مالية خطرة فهناك 60 في المائة من الدول المنخفضة الدخل تعاني مديونية مفرطة أو معرضة بشدة لأن تصبح كذلك.
وفي المقابل يحتاج العالم إلى مواجهة الضغوط الاقتصادية الإضافية الناتجة عن الحرب إلى تمويل طارئ بقيمة 170 مليار دولار مدته 15 شهرا، وتعهدات بنحو 50 مليار دولار من هذا التمويل على مدار الأشهر الثلاثة المقبلة، وسيعزز هذا الاقتراح من صعوبة وصول الدول الفقيرة للتمويل ما يفاقم المخاطر الاقتصادية هناك.
هذه هي ملامح الاقتصاد العالمي مع انعقاد اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، ومع انشغال العالم بالحرب فإن على الدول منخفضة الدخل مواجهة الواقع بقرارات تبدو صعبة للغاية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي