رائحة الموت
تحدق بك بعينيها تشعر أن نظرتها تتغلل في داخلك كأنها تعي وتفهم، وتشعر أنها تود الحديث عن شيء ما، عن سر مجهول تخفيه بعناية خلف تلك المقل الكبيرة البراقة، عن أمور وأشياء تراها هي بوضوح بينما نعجز نحن عن رؤيتها وإدراكها.
وبسبب هذا الغموض الذي يحيط بالقطة فقد ارتبط اسمها منذ القدم بكثير من الأساطير والخرافات، رغم أنها حيوانات اجتماعية أليفة تعيش مع البشر منذ أقدم العصور. قدسها الفراعنة لدرجة تحنيطها وكانت العائلات تحلق حواجب جميع أفرادها كعلامة على الحداد عندما تموت قطة في منزلهم. لدرجة أن القائد الفارسي قمبيز الثاني حين غزا مصر استغل حبهم وتقديسهم لهذه المخلوقات، فأمر محاربيه برسم صورة القطة "باستيت" على دروعهم ووضع القطط أمام الجيش مع حيوانات أخرى. وكانت النتيجة أن استسلم المصريون.
منظرها الجميل وفراؤها الناعم، لا يدلك على مدى ما تملك هذه المخلوقات من قدرات، فبإمكان القطط شرب مياه البحر المالحة وإرواء عطشها عكس كل المخلوقات، لأن لديها القدرة على تصفية المياه المالحة.
وتمتلك قدرات بصرية في نطاق يختلف عن البشر لذلك لا تفزع عندما ترى القطط تحدق في الزوايا الفارغة وتعتقد أنها تشاهد أشباحا، إنها فقط تستطيع الرؤية عبر الأشعة فوق البنفسجية فترى الأشياء بصورة مختلفة عنك.
والأغرب أن القطط بإمكانها أن تشم عن طريق مخالبها فهي لا تمتلك غددا عرقية مثلنا، لكنها تفرز العرق من خلال مخالبها التي تحتوي على غدد الشم التي تشم من خلالها.
وتمتلك القطط عواطف ومشاعر تشبه الإنسان بل وشعورا بالآخر يجعلها تستشعر حالتك المزاجية، وتدل طريقها إلى قلبك، خصوصا نوع من القطط يعرف بـماين كون، وذلك لوجود تشابه بيولوجي بين دماغ الإنسان والقطط خاصة في المناطق المسؤولة عن العواطف، بل قد تتفوق حسيا باستشعارها أمورا لا يستطيع البشر معرفتها أو التنبؤ بها ولعلك سمعت عن القط المعجزة "أوسكار" التي تمكنت من التنبؤ بوفاة أكثر من 75 نزيلا في مصحة "ستير لرعاية المسنين"، حيث تم تبنيه وعاش لأعوام مع المسنين، كان غريب الأطوار لا يقترب من البشر كثيرا كعادة القطط إلا الذين قرب موعد وفاتهم فتجده يرقد معهم على السرير، كأنه يودعهم وبعدها بوقت قصير يتوفى النزيل. حار العلماء في تفسير ذلك وخلصوا في النهاية إلى أن أوسكار يستطيع اشتمام رائحة المواد الكيمياوية التي تنبعث من خلايا جسد من اقتربت وفاتهم من أجل تهيئة الجسم لمرحلة التحلل بعد الموت.