إعداد خريطة للأصول التجارية واستثمارها «3»
بيانات الاستحقاق لا يعتمد عليها حاليا في نظم الإدارة المالية والموازنة إلا في دول قليلة للغاية. ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، يصدر تقرير "مجمل الحسابات الحكومية" الذي يعرض الأصول العقارية في القطاع العام دون عزو قيمة سوقية عادلة للأصول، أو التركيز بالدرجة الكافية على إيجاد قيمة صافية كجزء من إطار الإدارة المالية. ويتطلب الأمر ضغوطا متواصلة من جانب صندوق النقد الدولي، والأطراف الأخرى المهتمة بكفاءة الإدارة المالية لإجراء الإصلاحات المحاسبية اللازمة لتحسين ممارسات الإدارة المالية.
هناك وسيلة قد تسهم في تسريع وتيرة هذه العملية، ألا وهي تحويل الأصول التجارية العامة إلى صناديق الثروة العامة التي تطبق إطارا من إجراءات الحوكمة والإدارة والمحاسبة والمساءلة على مجموعات معينة من الأصول على غرار المتبع في القطاع الخاص. وفي ظل وجود صناديق الثروة العامة، سيمكن تحقيق المنافع المرجوة من كفاءة الإدارة خلال عام أو عامين مقارنة بالوقت الطويل الذي يتطلبه تنفيذ محاسبة الاستحقاق في القطاع العام واستخدام المعلومات الناتجة عنها بفعالية.
ونجد في آسيا أمثلة على دور صناديق الثروة العامة في تحويل وتعظيم الموارد الحكومية لدفع التنمية الاقتصادية. ففي سنغافورة، تم إنشاء صندوق داخلي لإدارة الثروات العامة Temnasek عام 1974، حيث تم تكليفه بإدارة أهم الممتلكات الحكومية، بما في ذلك قطاعات الخدمات المالية والنقل والاتصالات والشركات الصناعية. وأصبحت شركة كابيتال لاند للعقارات، وهي الذراع الأكبر لهذا الصندوق، من أهم الكيانات العقارية على مستوى آسيا. وبالتزامن مع النجاح الذي حققته سنغافورة في مجال الاستثمار، نجحت جهودها الإنمائية لتصبح من أفضل المدن الصالحة للعيش على مستوى العالم. وفي منطقة هونج كونج الإدارية الخاصة، أنشأت شركة النقل MTR نظاما لمترو الأنفاق مماثلا لنظيره في مدينة نيويورك من حيث الحجم اعتمادا على الموارد المتولدة داخليا فقط، من خلال القيمة الناتجة عن تطوير العقارات المتاخمة لمحطات المترو.
وفي أوروبا، كانت السويد أولى الدول التي طبقت مفهوم الإدارة النشطة للأصول العامة لتحقيق أهداف مالية واضحة. وخلال ثلاثة أعوام، من 1998 إلى 2001، أدارت السويد حافظة الأصول العامة، كما لو كانت مملوكة لشركات مساهمة، وبدأت بتطبيق ثقافة حقوق الملكية والضوابط السارية في القطاع الخاص، وخلال الأعوام الثلاثة المذكورة، نجحت في إحداث تحول في المؤسسات الاحتكارية في قطاعات الاتصالات والكهرباء والسكك الحديدية والبريد، وتحسين الخدمات الحيوية، وتوليد أرباح مالية هائلة، ودعم النمو الاقتصادي. وكان لقطاع العقارات دور مهم، حيث أسهمت حافظة العقارات الضخمة في السويد في دعم التحول المرجو دون الحاجة إلى ضخ رأسمال خارجي. وحذت فنلندا حذو السويد عام 2008، حيث أنشأت صندوق الثروة العامة الذي حقق عائدات كبيرة منذ بدايته، وصندوقا منفصلا للثروات العقارية العامة المملوكة للحكومة الوطنية.
وعلى المستوى المحلي، استخدم كل من هامبورج وكوبنهاجن صناديق الثروة الحضرية في تطوير الموانئ المتقادمة وبناء مجموعة جديدة من المباني السكنية والإدارية والمدارس والمتنزهات ومتاجر التجزئة والمنشآت الثقافية. فباستخدام الفائض المالي المحقق من تلك العمليات، تمكنت كوبنهاجن من تمويل جزء من التوسعات في نظام مترو الأنفاق المحلي. وبالمثل، نجحت شركة London and Continental Railways في المملكة المتحدة وشركة Jernhusen في السويد في تطوير المناطق المحيطة بمحطات القطارات الداخلية دون الاعتماد على الضرائب... يتبع.