إعداد خريطة للأصول التجارية واستثمارها «2»

يؤدي تجاهل القيمة الصافية إلى بيانات مضللة، ومقاييس غير دقيقة لمدی استدامة مسار الدين، والتحيز ضد الاستثمار، وفي المقابل، دائما ما يكون لدى الحكومات التي تركز على القيمة الصافية حافز على الاستثمار في الأصول المنتجة وعلى المدى الأطول، يسهل التركيز على القيمة الصافية مساءلة الحكومات عن قراراتها بشأن الإنفاق والاقتراض والضرائب، وتأثير تلك القرارات في العدالة بين الأجيال، وربما الأهم من ذلك أن هذا التغيير سيساعد الحكومات على تنفيذ الاستثمارات اللازمة للتصدي لتحديات جائحة کوفید ـ 19 وغيرها.
يمكن لجميع الأصول التجارية، سواء العامة أو الخاصة توليد الدخل. غير أن المعايير المحاسبية الحكومية غالبا ما تفترض أن الأصول العامة تختلف في طبيعتها عن أصول القطاع الخاص، نظرا لأنها تستخدم في الأساس إما لتنفيذ إحدى السياسات العامة أو تقديم خدمة عامة معينة. وإذا ما افترضنا أن طبيعة الاحتياج لهذه الأصول ثابتة لا تتغير، تصبح قيمتها السوقية غير ذات أهمية، لذلك غالبا ما تقيم الحكومات الأصول العامة بتكلفتها التاريخية، بل إنها قد لا تعزو لها أي قيمة على الإطلاق في بعض الأحيان. ومع مرور عام تلو الآخر، تتسع الفجوة بين استخدامات الأصول العامة وقيمتها في الواقع الفعلي وأوجه استخدامها وقيمتها في الماضي، وليس مستغربا بعد مرور هذا الزمن الذي قد يصل إلى عدة عقود أو قرون في بعض الحالات، أن تعجز الممارسات المحاسبية الحكومية عن رصد قيمة العقارات وغيرها من الأصول العامة.
وتعد الحكومات هي المالك الأكبر في جميع الدول دون استثناء، لكنها لا تكترث كثيرا بقيمة حيازاتها أو كيفية إدارتها لتحقيق أفضل قيمة لدافعي الضرائب. وتنشأ عن هذه الإخفاقات تكلفة حقيقية. ومن الصعب على أي طرف في الحكومة أو أحزاب المعارضة السياسية أو الناخبين مساءلة أي مسؤول عن إدارة هذه الأصول "الخفية" أو الاستفسار عما إذا كانت لا تزال هناك حاجة إليها. ونتيجة لذلك، تتجنب الأجهزة العامة التي يعوزها المال اتخاذ القرارات التي قد تواجهها أحيانا في القطاع الخاص، مثل ما إذا كانت قادرة على تلبية احتياجاتها من خلال تحسين استخدام الأصول الحالية أو بيعها.
لكن ما السبب وراء ضعف الرغبة في الاحتجاج على إدارة الحكومة للأصول؟ قد يرجع ذلك ببساطة إلى أن القادة السياسيين منشغلون بالفعل بإدارة المشكلات والموارد المعلومة، وقد تكون هناك حوافز عكسية أيضا: فما الذي يدفع أي وزارة حكومية إلى البحث عن الأصول الخفية إذا كانت لديها مخاوف من أن العثور على هذه الأصول ربما تنشأ عنه مطالبات بزيادة الإنفاق أو تكليف الوزارة ببيع تلك الأصول أو تحسين إدارتها؟ وربما كانت هذه المهمة معقدة أو تستغرق وقتا طويلا، حيث لا تستميل المسؤولين الذين يتم انتخابهم لفترات قصيرة.
يمكن حل هذه المشكلة من خلال إعداد الحسابات الحكومية على أساس الاستحقاق بدلا من الأساس النقدي تماشيا مع معايير القطاع الخاص ومعايير المحاسبة الدولية للقطاع العام، بشرط استخدام الأساس نفسه في مجال الإدارة المالية الحكومية. ويقتضي ذلك من الحكومات قيد الأصول، ولا سيما العقارات، بقيمتها السوقية العادلة بدلا من القيمة التاريخية أو الصفرية. فضلا عن ذلك، يتعين إجراء تقييمات سنوية على الأقل للقيمة الصافية للقطاع العام، وهي مقياس دقيق لما إذا كانت الحكومة تعمل على تعزيز أم تقويض مركزها المالي، وما إذا كانت تتعامل بعدالة مع الأجيال المستقبلية.
وهذا الحل قابل للتنفيذ. فمنذ عقدين تقريبا، بدأ صندوق النقد الدولي في إعداد دليل إحصاءات عالية الحوكمة على أساس الاستحقاق بدلا من الأساس النقدي، ومنذ أكثر من ثلاثة عقود، أقرت نيوزيلندا استخدام أساس الاستحقاق في إعداد الحسابات، وأصدرت إطارا للإدارة المالية العامة يقوم على الأساس المحاسبي ذاته. وبذلك تجاوزت، نيوزيلندا عقدين من العجز الحكومي وتراجع القيمة الصافية لتنجح في إيجاد القيمة على مدار 30 عاما خلت من العجز باستثناء أعوام قليلة.
وأفادت دول عديدة بأنها تعكف حاليا على تطبيق النهج نفسه، وتتوقع الجهات المختصة البدء بتطبيق محاسبة الاستحقاق في نصف حكومات العالم تقريبا في غضون أعوام قليلة... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي