إضافة البعد الأخلاقي إلى المالية العامة «2»

بغض النظر عن مدى الاتفاق من عدمه مع هذه المنظورات الأخلاقية الأوسع نطاقا، فإن التعرف عليها يسهل فهم الدوافع الأساسية لمواقف مختلف المجموعات في الجدالات الدائرة حول السياسات العامة. وهذا الفهم قد يساعد على تصميم سياسات قادرة على كسب الدعم من مجموعات عديدة على اختلاف قيمها الأخلاقية.
من الإنصاف أن نقول إن الاقتصاديين بدأوا خلال الأعوام الأخيرة إيلاء اهتمام متزايد للمجتمعات المحلية والهويات الثقافية، فلننظر على سبيل المثال إلى اثنين من أهم الجدالات المستعرة والمألوفة حاليا في معترك السياسات العامة، ويتعلق الأول باستجابة السياسات تجاه خسائر الوظائف نتيجة الأتمتة والعولمة. فحتى وقت قريب، أكدت التحليلات الاقتصادية لاتجاهات البطالة طويلة الأجل الحاجة إلى تحرير أسواق العمل والمساكن. وأوصى خبراء الاقتصاد المناطق التي تشهد خسائر في حجم الوظائف بتذليل العقبات أمام انتقال المواطنين إلى الأماكن التي تتوافر فيها فرص عمل جديدة. غير أن هذا التأكيد على قدرة الأفراد على التحرك لم يعر اهتماما لدور المجتمعات المحلية في حياة البشر فمساعدة الفرد قد لا تكون كافية في حالة ارتباطه واهتمامه بمجتمع فقد مقومات نجاحه. وأمام معارضة السياسات التي عجزت عن دعم المحليات التي خسرت وظائفها، أصبح صناع السياسات يبذلون مزيدا من المساعي لدعم المجتمعات المحلية التي سبقها الركب.
أما القضية الخلافية الثانية على مستوى السياسات العامة، فتتمثل في الهجرة، بما في ذلك مدى أحقية المهاجرين في الحصول على الخدمات التي تمولها الحكومة وعادة ما يحلل الاقتصاديون التكاليف والمنافع بالنسبة إلى المواطنين أو المقيمين مع تجنب الخوض في الاعتبارات المتعلقة بالحفاظ على الهوية الثقافية لمجتمعات المواطنين والمهاجرين. غير أن الهويات الثقافية تمثل قضية مهمة لكثيرين، كما أصبحت محط اهتمام متزايد في العلوم الاجتماعية.
وبوجه أعم، أصبح التمييز بين أنصار العالمية وأنصار القومية "والمجتمعات المحلية" أمرا معتادا في النقاشات العامة. "فأنصار العالمية يتسمون بالإيثار والثقة في الآخرين ولا يعبؤون بالفروق الاجتماعية من حيث الروابط الأسرية والقومية والدينية وغيرها. وفي المقابل، يتراجع حس الإيثار والثقة لدى أنصار القومية مع اتساع الفروق الاجتماعية".
وقد بدأ عدد قليل من التحليلات الرائدة بحث العلاقة بين الآراء الأخلاقية للبشر وتفضيلاتهم فيما يتعلق بالسياسات، بما في ذلك سياسات المالية العامة فعلى سبيل المثال، تشير دراسة Enke, Rodriguez-Padilla and Zirnrnertmann ـ 2020، إلى أن الانقسام التقليدي بين اليسار واليمين ـ اليسار الذي يفضل زيادة المساعدات الأجنبية والتمييز الإيجابي وحماية البيئة ومزايا الرعاية الاجتماعية والرعاية الصحية الشاملة، واليمين الذي يدعم الإنفاق على القوة العسكرية والشرطة وإنفاذ القانون والرقابة الحدودية ـ يعد ظاهرة معتادة في عدة دول غربية ويتوقف في نهاية المطاف على ما إذا كانت القيم الأخلاقية للفرد عالمية أم قومية في الأساس، وخلصت التطبيقات اللاحقة لنظرية الأساس الاقتصادية إلى أن معارضة أنصار القومية لتصاعدية الضريبة تراجعت بين الأفراد الذين عانوا بشكل مباشر تبعات الجائحة من خلال فقدان وظائفهم أو الإصابة بالمرض... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي