تحدي استدامة المياه في المملكة والحلول
تكرر في الآونة الأخيرة، وبشكل لافت، مصطلح حرب المياه، لأن الحضارات تبنى وتدوم بالقرب من مصادر مياه الشرب والزراعة. ويتحدث العالم عن تغير المناخ والجفاف وزيادة عدد السكان وجفاف البحيرات والأنهار أو تغيير مسارها أو منسوب المياه فيها، كما هو حاصل الآن في عدد من الدول، مثل: مصر والسودان والعراق والأردن وسورية. وتضع هذه التغيرات ضغوطا هائلة على موارد المياه الطبيعية التي تعد الأزمة الحقيقية للقرن الـ21، حيث سيعانيها كثير من الدول. وتعد المياه من الركائز الأساسية للتنمية المستدامة ورفاهية الإنسان، ولكي تدوم الحضارة وتزدهر لا بد من إيجاد حلول جوهرية وعملية لاستدامة مصادر المياه، وليس ترشيد المياه فقط.
تجدر الإشارة إلى أن الجهات ذات العلاقة في المملكة، وعلى رأسها وزارة البيئة والمياه والزراعة، تبذل كثيرا من الجهود للمحافظة على المياه الجوفية، وتقنين الاستهلاك، وإنشاء السدود ومحطات تحلية المياه، ووضع خطط لأمن المياه. وبحسب الكتاب الإحصائي لوزارة البيئة والمياه والزراعة لعام 2020، فقد بلغ الطلب في المملكة نحو 16 مليار متر مكعب من المياه سنويا، منها: نحو 67 في المائة للزراعة، و10 في المائة للصناعة، و23 في المائة للقطاع الحضري، منخفضا بشكل كبير عن عام 2017، حيث كان 23.35 مليار متر مكعب من المياه سنويا، وكان التوقف عن زراعة الأعلاف سببا رئيسا في ذلك.
الجدير بالذكر أن وزارة البيئة والمياه والزراعة أطلقت الاستراتيجية الوطنية للمياه، التي تشتمل على عشرة برامج. ولتعزيز استدامة وترشيد المياه نفذت بعض المبادرات، مثل: حصاد مياه الأمطار، وتوجيه الدعم للزراعة المعتمدة على المياه المتجددة، ومعالجة مياه الصرف الصحي والاستفادة منها، وإدارة الطلب والترشيد وتخفيض الفاقد من المياه إلى 15 في المائة بحلول 2030.
من جهة أخرى، وبحسب موقع شركة المياه الوطنية، فإن الاستهلاك المنزلي للفرد من الأعلى في العالم، ونحن نعيش في بيئة صحراوية. أحد مخرجات الاستراتيجية الوطنية للمياه، هو البرنامج الوطني لترشيد استهلاك المياه «قطرة» الذي يهدف إلى تقليل معدل الاستهلاك اليومي المنزلي للفرد من المياه إلى 150 لترا في اليوم بحلول عام 2030. ولا شك أن هذه الجهود ستعزز تقنين المياه وترشيدها. والتساؤل هو: هل تلك الجهود كافية لتعزز مصادر المياه والأمن المائي للمملكة؟
فنحن أمام تحد كبير لكي تستديم الحضارة والازدهار، ولأجل ذلك نحتاج بشكل جاد إلى إيجاد حلول عملية ومستدامة لنا وللأجيال القادمة. وعندما يتحدث العالم عن حرب المياه، فالمقصود هو مصادر المياه المستدامة. وبحسب الخطة المستقبلية لتحلية المياه، فنحن بحاجة إلى زيادة إنتاج المياه بأكثر من 40 في المائة خلال 15 عاما.
وفيما يخص مصادر المياه ولتلبية حاجتنا إليها، فنحن نعتمد على المياه الجوفية والسدود، وهي محدودة ونقوم بتحلية مياه البحر في محطات تعتمد على الوقود الأحفوري، وهو كذلك محدود وغير متجدد، لأجل ذلك نفذت بعض المبادرات لتقليل استهلاك الوقود. ونشير هنا إلى إحدى مبادرات المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، وهي التحول من حرق الوقود السائل إلى استخدام الغاز الطبيعي، ما يعزز الاستدامة البيئية، ويخفض استهلاك الطاقة بأكثر من 318 ألف برميل مكافئ من الوقود يوميا، ويقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يتجاوز 40 مليون طن سنويا بحلول عام 2030. من جهة أخرى، ستتحول المؤسسة إلى الاعتماد بشكل كبير على تقنية التناضح العكسي لتحلية المياه الذي يستلزم الكهرباء من الشبكة الكهربائية مباشرة.
ومما يثلج الصدر في هذا الإطار الخطة الاستراتيجية لوزارة البيئة والمياه والزراعة التي تبنت أن تعمل 20 في المائة من محطات تحلية المياه الجديدة في المملكة بالطاقة المتجددة، ما يسهم في تعزيز استدامة المياه في المملكة. ونشير كذلك إلى مشاريع الرؤية الكبرى، مثل: نيوم، وشركة البحر الأحمر للتطوير، التي تعتمد بشكل كامل على الطاقة المتجددة والنظيفة لإنتاج الكهرباء والمياه المحلاة.
الجدير بالذكر توجد في مدينة الخفجي محطة لتحلية المياه بالطاقة الشمسية أنشئت عن طريق مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وبالتنسيق مع المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، إضافة إلى مشاريع أخرى تحت الإنشاء والتخطيط.
وضع كثير من دول العالم خططا لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة بحثا عن أمن الطاقة، لأن مصادر الطاقة تمثل تحديا لها. تحديات أمن الطاقة واضحة الآن في كل من أوروبا وشرق آسيا. في المملكة، تمثل مصادر المياه تحديا لاستدامة الازدهار مستقبلا فيها، وستسهم - بإذن الله - الخطط الاستراتيجية لوزارة البيئة والمياه والزراعة في تعزيز استدامة المياه، وهي امتداد لرؤية المملكة 2030.