قضية اتصالية
تشكل قصة إقامة صلاة التراويح في ميدان "تايمز سكوير" في نيويورك قضية اتصالية تصلح لدراسة حالة اتصالية، وتأثيرات "الفعل" الميداني في الصورة الذهنية، وتباين الآراء حول فاعلية الرسالة التي يراد إيصالها، ووضوح الهدف ومن ثم قياس نجاح تحقيقه.
عندما رأيت المقطع أول مرة لم أحكم عليه، فمن أرسلوه في "الواتساب" لهم سمة احتفالية احتفائية سريعة، فهم في الأغلب يودون تحقيق سبق الإرسال، وإطلاق الأحكام السريعة على أشياء مبتسرة من سياقها، وهي صفة يتشارك معهم فيها كثير من الناقلين في الإعلام الاجتماعي، لكن هناك تجد من يصحح أو يكمل أو يثير الأسئلة.
في مجموعة خاصة من الكتاب والصحافيين سأل زميل عن موقفنا من المشهد، وهل نحن مع أو ضد؟ فأجبت إنني ضد المشهد لأنه لا يخدم الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين، فأجاب صديق: إن المجموعة لديها تصريح من الجهات المسؤولة في المدينة، وإنها لم تقتحم المكان عنوة، وإن ما حصل يشبه مظاهرة بمناسبة رمضان "مثلها مثل أي مظاهرة يجري إغلاق تايمز سكوير من أجلها". تغير موقفي وصوت في المجموعة بأنني محايد، أي أن موقفي تغير قليلا حين عرفت بنظاميتها وأنها جزء من حق التعبير تم في إطار قانوني، أحترم قوانين المدينة، لكنني ما زلت ضد التظاهرة، ولا أحسب أنها تفيد الصورة الذهنية عن الإسلام، أو رمضان، هدفها الرئيس.
لماذا أعتقد بذلك، ببساطة أن الصورة المقدمة في الميدان تشبه كثيرا الصور التي يقدمها "الترند" أو "الهاشتاق"، أي صورة غير كاملة عن رمضان والصوم كركن من أركان الإسلام، وبالتالي ستكون أحكام المشاهدين والعابرين للساحة والمشاهدين في وسائل التواصل مبتورة لأنها تحكم على "فعل" مجتزئ من سياقه.
أهم نقطة لدي أن صلاة التراويح ليست من واجبات العبادة في رمضان، فالواجب الأساس هو الصوم، وكان في إمكان المجموعة التجمع نهارا حيث وقت العبادة الأساس وإيضاح فكرة الصوم الروحية والجسدية والتأملية، خاصة أن نيويورك مدينة كل شعوب الأرض، وكثير منهم يحبون الأشياء التأملية التي تخرجهم من صخب هذه المدينة.
في ظني وخبرتي الاتصالية أن الرسالة كانت ستصل أفضل وأكثر تأثيرا، خاصة أنها لن تحتاج إلى إقفال الميدان والتضييق على المارة.
بقيت نقطة لنا نحن المسلمين، الصلاة فعل تعبدي يحتاج إلى السكينة والهدوء والخشوع، وتلك الساحة تصخب بالموسيقى، وتمتلئ باللوحات الإعلانية غير المحتشمة، فكيف يمكن أن تتسق هذه الصورة عن الصلاة ومناجاة الخالق في ذهن المتلقي المستهدف برسالة رمضان؟