Author

تاريخ الرياضة في الدولتين السعوديتين الأولى والثانية

|
ضمن احتفالاتنا بيوم التأسيس المبارك 1727، فإنه يتعين علينا أن نتحدث عن النشاط الرياضي في برامج الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية، حيث إننا لاحظنا أن هناك برامج عديدة لممارسة الرياضة التراثية بأشكالها وألوانها كافة، عند جميع أطياف المجتمع السعودي في الدولتين السعوديتين اليافعتين إيمانا من الحكومتين الفتيتين، بأن ممارسة الرياضة تفرز مجتمعا قويا قادرا على بناء الدولة الباسلة وإعلاء كلمتها أمام كل التحديات التي تحدق بها.
لقد كانت الرياضة وما زالت من أهم مقومات الدول القوية، لكن ما يميز الرياضة في الدولتين السعوديتين هو أن الرياضة مورست ضمن أهداف تقوية القوات الدفاعية والشعبية لمواجهة الأخطار التي كانت تتربص بالدولتين الصاعدتين.
وكانت الرياضة نشاطا مفتوحا أمام كل أفراد المجتمع، فالفروسية، والمقارعة بالسيوف، والعدو، والصيد، والرمي، والعرضة النجدية ليست من باب تزجية أوقات الفراغ، بل هي رياضة لتقوية الأجسام، والأبدان، والعقول، ورفع القدرات عند أفراد الشعب السعودي المظفر كافة، ليكون جاهزا للدفاع عن حدود الوطن، وتلقين الأعداء دروسا في القوة والتضحية والفداء.
لقد كان من تقاليد الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية أن قائد الجيش ورئيس الجند يعرضان جيشهما وجندهما أمامهما للنظر في أحوالهم، وكان الجيش يمر أمام القائد مبديا قوته وشجاعته، وذلك في حركات قوية وفي مشية تتلاءم مع إيقاع العرضة، ويروي تاريخ الدولة السعودية الأولى والثانية كثيرا من أخبار عرض الجيش، وذلك تيمنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما كان يعرض جيشه عند كل ملاقاة الأعداء.
وعن العرضة النجدية ذكر المفكر اللبناني أمين الريحاني، في وصفه لإحدى المعارك في نجد: إنه كان يتغنى من خلف صفوف الجيش السعودي:
ياللي تمنى حربنــــــــــــا
غويت ياغـــــاوي الدليـل
كم واحد مــن ضربـــــــنا
دمه عـلى الشلفا يســـــيل
ومازالت العرضة النجدية التي كانت منتشرة في ربوع الدولتين السعودية الأولى والثانية تمارس حتى يومنا هذا في كل أنحاء شبه الجزيرة العربية، وبالذات في الأراضي السعودية والخليجية.
ولكن لا جدال في أن الفروسية واحدة من أهم الرياضات التي كان يمارسها السعوديون في دولتيهم الأولى والثانية حتى اليوم، ويعد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - أنه ورث الفروسية من آبائه وأجداده، حتى أصبح رمز الفروسية في الأسرة السعودية اليافعة، وكانت اصطبلات خيول الملك عبدالعزيز تحوي أشهر المرابط، وقدر عدد الخيول يومذاك بنحو ألف فرس، منها 200 اختصها - رحمه الله - بالتفضيل على سواها، لأنها من الخيول التي ورثها عن أجداده.
والفروسية رياضة عربية أصيلة، وهي فن ركوب الخيل، وهي لا تقتصر على مهارة الفارس في ثباته على ظهر الحصان فقط، وإنما تتمثل أيضا في شجاعة الفارس وقدرته على قيادة فرسه للوصول إلى الهدف المنشود، وهو ما يسمى بروح الفروسية، وتمثل الفروسية مظهرا طبيعيا من مظاهر حياة العربي وتقاليده الغراء، وحينما جاء الإسلام الحنيف حض على ممارسة الفروسية، وقال الله تعالى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم».
ومن الرياضات التي كانت تمارس على نطاق واسع في الدولتين السعوديتين الأولى والثانية رياضة الصيد، ويشمل الصيد صيد البر والبحر لقوله - سبحانه وتعالى -: «أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما»، أما مصطلح القنص الشائع اليوم في كل أنحاء المملكة ودول الخليج، فهو بمعنى الصيد، والقنص هو ما اقتنص، والقنيص والقناص هو الصائد. ولا يوجد في كتب اللغة ما يميز بين الكلمتين الصيد والقنص، فهما لفظان مترادفان لمعنى واحد، إلا أن شعراء العرب استعملوا لفظ (الصيد) لصيد البر والبحر معا، في حين قصروا معنى (القنص) على صيد البر وحده، وتعد رياضة الصيد من أقدم أنواع الرياضة عند البشر، وقد أولاها العرب اهتمامهم ومنحوها حبهم فتعلقوا بها تعلقا شديدا، وكانوا يستخدمون الصقور وطيور الباز الجارحة في صيد فرائسهم، وعرف عن آل سعود الأشاوس منذ القدم حبهم وولعهم برياضة الصيد والقنص، وأصبح لهم فيها باع كبير، كما أصبح لرياضة الصيد جمهور غفير في الدول السعودية الثلاث.
كذلك من الرياضات التي كانت شائعة في ميادين الدولتين السعوديتين الأولى والثانية رياضة الرمي يقول الرسول الكريم: (ارموا يا بني إسماعيل .. فأنا معكم كلكم).
كذلك من الرياضة المحببة إلى السعوديين في الدولتين السعوديتين الأولى والثانية رياضة المخيام، وهي من أهم أنواع النشاط الكشفي عند الرياضيين في العصر الحديث، وكان أمراء الدولتين اليافعتين يهتمون بضرب الخيام، والاجتماع تحت أعمدة الخيام للوصول إلى القرارات الواعية المنشودة.
ولو حللنا عمليات الإعداد لفتح العاصمة الرياض، فإننا نجد أن الرياضة لعبت دورا رئيسا في تحقيق الانتصار الوطني الكبير، فقد بدأ الإعداد لدخول مدينة الرياض بالعرضة النجدية (رقصة الحرب) التي أدخلت الحماس والتصميم في نفوس أفراد الجيش، ثم العدو، والقفز فوق سور الرياض، ثم الفروسية، والرمي والمقارعة بالسيف حتى تحقق النصر المبين ورفع الأبطال راية "لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله".
إنشرها