انشغال وتشاغل
يغريني التأمل في الجانب الإعلامي الاتصالي لكل أزمة، سواء كانت محلية لقطاع حكومي أو خاص، أو عالمية بين الدول، أو شاملة للجميع كما في الجائحة المعروفة، ليس حبا في الأزمات ـ معاذ الله ـ ولكن للتعلم، ففي الأزمات تختبر وتمحص القدرات التواصلية ومن يديرها.
الإغراء سببه مهني صرف، وللانغماس فيه سبب واقعي، حيث أراقب في وسط الأزمة ونهايتها إن انتهت، المؤشرات التي وضعتها، أو الأفكار التي هجست فيها في بداية الأمر، مركزا فقط على ما يعنيني ويفيدني في مجالي، المحتوى، والاتصال، وإدارة الكوارث الإعلامية.
فيما يحدث الآن بين روسيا وأوكرانيا توقعت من البداية أن شركات التقنية المالكة والمشغلة لوسائل التواصل الاجتماعي "ستنحاز" إلى الفريق الغربي من الأزمة، وهو توقع ليس عبقريا جدا، فله سوابق، وله أسباب واضحة ومعروفة، لكننا كمتلقين في الوسط نتجاهلها متمسكين بوهم حيادية هذه الشركات.
الإعلام التقليدي والاجتماعي مملوك في أغلبه لجهات وأسماء لها مصالح وأجندات، ولا ملامة عليهم في خدمة مصالحهم، ولا ملامة على مستخدمي تطبيقاتهم وقنواتهم، الأمر فقط تذكير على طريقة "أكلت يوم أكل غيري"، فلو نشبت أزمة في منطقتنا مع دولة تسيطر على أسلحة التواصل، فالمتوقع أن نحرم منه فورا، لأنه ببساطة أحد الأسلحة.
لا أحد يحب الحروب، ولا أحد سويا تروقه إراقة الدماء وتشريد الآمنين، لكن العظة الإعلامية يجب أن تؤخذ، ليس فقط على مستوى الدول والأفراد، لكن أيضا على مستوى الشركات في القطاع الخاص التي ألقت ببيض الاتصال والتسويق والترويج كله في سلال ليس لهم عليها دالة قانونية أو حتى رادع أخلاقي، اذا ما قرروا أن يقطعوا وسائلهم عن منطقة أو بلاد لاختلاف وجهات النظر، أو حتى للضغط حول التخلي عن مبادئ وقيم ثابتة، وهو يوم سيأتي لمن ينظر إلى البعيد.
ما يستفاد من الحدث كثير، ومن الطبيعي أن الأزمات ترفع مستويات الأنانية وهذا أمر متوقع وموجود في التاريخ البشري، والأمثلة كثيرة في هذه الأزمة، وما يحدث في زواياها وثناياها يؤكد كثيرا من المخاوف الإنسانية والأخلاقية التي تدور في ذهن الإنسان الباحث عن السلام لنفسه وغيره وكوكبه.
في بداية الأزمة توقعت أيضا أن تختفي أخبار كورونا، والصدامات بين بعض الحكومات الأوروبية وشعوبها، ومعهما أخبار كثيرة في مناطق صراع يظلم ويضطهد فيها ملايين البشر.
هل ينشغل العالم، أم تراه يتشاغل؟ وهل هذه هشاشة الواقع الإعلامي العالمي، أم هشاشة المتلقين منه؟ أسئلة للتاريخ والتأمل، وربما البحث.