الأزمات نعمة أم نقمة؟
سنة الحياة على امتداد التاريخ أن تحدث الأزمات بين الحين والآخر سواء على مستوى الأفراد أو المنظمات أو الدول. فالأزمة أمر طبيعي تحدث نتيجة تصرفات أو إجراءات خاطئة، أو قد تكون أمرا قدريا خارج عن الإرادة. وبالطبع تصيب الأزمات من يعانيها بحالة من الإحباط واليأس والخوف من المستقبل. السؤال الذي يطرح نفسه، هل الأزمة نقمة فقط أم أنها قد تحمل في ثناياها نعمة؟ المتأمل والمستقرئ لما يصيب الأفراد والمجتمعات قديما وحديثا يدرك أنه على الرغم من وضوح آثار تلك الأزمات، إلا أنها تحمل في طياتها نعما قد لا يدركها البعض. مثلا على المستوى الفردي، إذا أصيب الإنسان بعرض ما أو بمرض كالسكري مثلا، فإنه في ظاهره أزمة نفسية للمصاب إلا أن البعض حولها إلى نعمة، إذ انتبه إلى أهمية اتباع نظام غذائي صحي وممارسة نشاط بدني مستمر قاده إلى وضع صحي أفضل مما كان.
الأزمات تتيح معرفة الصديق من العدو، "جزى الله الشدائد كل خير ... عرفت بها عدوي من صديقي". في مجال المال والأعمال تعصف الأزمات أحيانا بالمؤسسة أو المنظمة ويصحبها أخطار وأضرار سواء على مستوى المنظومة ككل أو على مستوى الأفراد العاملين فيها، إلا أنه عادة ما ينتج عنها فوائد جمة فهي تحفز همم المسؤولين للتغلب على هذه التحديات الطارئة، وتبرز نقاط ضعف كان من الواجب إصلاحها وتبرز أهمية القدرة على توقع الأزمات مستقبلا، وما ينبغي اتخاذه من إجراءات لتجاوزها. والناظر مثلا إلى الأزمات التي رافقت جائحة كورونا، فعلى الرغم من أن ظاهرها نقمة أربكت العالم بأسره وأودت بحياة كثيرين، إلا أنه ظهر أن لها إيجابيات ليس أقلها تسارع استخدام التقنية الحديثة في مختلف المجالات، كما زادت من الترابط الأسري وفتحت المجال لتعلم كثير من الهوايات، ورفعت درجة الوعي الصحي وحسنت الوضع البيئي في ظل انحسار التلوث الصناعي والانبعاثات الكربونية، ودفعت الدول لاتخاذ إجراءات سريعة لدعم التصنيع المحلي والسعي نحو الاكتفاء الذاتي في مجالات حيوية كالغذاء والدواء.
إن الجفاف الذي يصيب الأشجار في الصحراء يدفعها إلى أن تضرب بجذورها في باطن الأرض بحثا عن الماء، فكذا الأزمات التي تفاجئ الإنسان تدعوه إلى إعادة النظر في نفسه ومحيطه وما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة، فـ"رب ضارة نافعة".