الغموض يكتنف اسم الرئيس الجديد لكوريا الجنوبية
في الانتخابات الرئاسية السابقة في كوريا الجنوبية في 2017، فاز السياسي الليبرالي المنتمي للحزب الديمقراطي مون جاي إن، بهامش واسع، ملحقا الهزيمة بمنافسه هونج جون بيو، من حزب كوريا الحرة، ومنافسه الآخر آهن تشول سو، من حزب الوسط. وقد تعززت مكانته بتحقيق حزبه فوزا تاريخيا في الانتخابات التشريعية العام الماضي التي استحوذ فيها على 163 مقعدا من أصل 300 مقعد. لكن مون جاي، لن يستطيع الترشح مجددا لمنصب الرئاسة في الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها الشهر المقبل بنص الدستور الذي لا يسمح للرئيس بالبقاء في منصبه إلا لفترة واحدة مدتها خمسة أعوام.
ولهذا اختار الحزب الديمقراطي الحاكم "أُسس في 1955 ويضم فصائل سياسية من اليمين والوسط ويتبنى في الداخل اقتصاد السوق المدعوم بشبكة أمان اجتماعي، ومكافحة الفساد وحماية البيئة، بينما يدعم في سياساته الخارجية فكرة إعادة توحيد شطري البلاد "لي جاي ميونج"محافظ مقاطعة جيونجي والمحامي السابق لحقوق الإنسان" كمرشح له، مخالفا كل التوقعات التي قالت إن الأوفر حظا بالاختيار هو زعيم الحزب ورئيس الوزراء السابق لي ناك يون، بسبب خبراته الإدارية التي برزت إبان توليه منصب حاكم جنوب جولا.
أما "حزب سلطة الشعب" المعارض "حزب أُسس في 2020 من اندماج عدد من الأحزاب المحافظة بعد فضائح الفساد التي شهدتها البلاد في 2016، ويتبى السياسات النيوليبرالية ويدعم التكتلات الصناعية المهيمنة على اقتصاد البلاد، ويتخذ مواقف متشددة من كوريا الشمالية" فقد قرر في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 أن يكون مرشحه للرئاسة في انتخابات 2022 الرئاسية هو يون سوك يول، الذي عينه الرئيس الحالي في منصب المدعي العام في تموز (يوليو) 2019، واستقال العام الماضي. وجاء ذلك بعد انتخابات تمهيدية قام بها الحزب المعارض على ثلاث مراحل على مدار 72 يوما، وأيضا بعد استطلاعات للرأي في صفوف أعضاء الحزب وعامة الناس حصل فيها يون على المركز الأول بنسبة 47.85 في المائة من الأصوات. وبهذا وضع حزب سلطة الشعب يون سوك يول الشخصية المبتدئة في عالم السياسة في مواجهة مرشح الحزب الديمقراطي الذي يسعى لمواصلة بقائه في البيت الأزرق الرئاسي، وفي مواجهة مرشحي حزبين صغيرين "حزب الشعب وحزب العدالة".
في كلمة قبوله بالترشح للرئاسة وعد يون، أنصاره بأن يحقق تغييرا في البلاد من خلال إنهاء سياسات الانقسام والغضب والفساد والنهب، واصفا الانتخابات القادمة بالمعركة بين العقلانيين والشعبويين، وبين مرشح "العقل السليم" ومرشح آخر يفتقر إليه.
من الصعب التنبؤ باسم الرئيس القادم من بين المرشحين الرئيسين، حيث يعتقد على نطاق واسع أن من يحدده هو جيل الشباب غير المؤدلج ممن ولد بين 1980 وأوائل الألفية الثالثة، وهو جيل يغلب عليه طابع التأرجح وعدم الثبات بدليل ما حدث من تقلبات في آرائه حيال الرئيس الحالي وحزبه الحاكم. كما أن المواقف السياسية التي سيتبناها ويدافع عنها المرشحان من الآن حتى موعد الانتخابات في التاسع من آذار (مارس) المقبل ستؤثر في توجهات الناخبين بصفة عامة. نقول هذا على الرغم من أن أصوات شباب حزب سلطة الشعب كانت وراء اختيار يون مرشحا رئاسيا، لكن ثباتهم على هذا الموقف مشكوك فيه.
والمعروف في سياق الجزئية الأخيرة أن المرشح يون من منتقدى سياسات الحكومة الحالية تجاه كل من اليابان وكوريا الشمالية. فهو يرى في اليابان حليفا لا بد من تحسين العلاقات معه والتعامل معه بلطف، على عكس سياسات الإدارة الحالية المتصفة بالعدائية. حيث لفت نظر جمهوره إلى أن الإدارة الحالية ألغت اتفاقية ثنائية سابقة مع طوكيو وحزمة تعويضات ذات صلة بعمال السخرة في الحقبة الاستعمارية، وأنها استغلت المشاعر المعادية لليابان لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، وأنه سيسعى إلى حل شامل مع طوكيو حول قضايا الماضي البعيد، وتحسين العلاقات البينية التي تمر بأسوأ فتراتها منذ التطبيع في 1965.
أما بخصوص العلاقات مع الجار الشمالي المشاغب، فقد قال إنها تدهورت في ظل الإدارة الحالية وتحولت إلى "علاقة استجداء مرؤوس برئيسه"، ووعد بإعادة التوازن إليها من خلال تأسيس مكتب دبلوماسي ثلاثي دائم يضم مسؤولين من الكوريتين والولايات المتحدة، واقترح أن تبقى محادثات السلام محصورة في الأطراف الثلاثة دون توسيعها إلى محادثات سداسية تشمل الصين واليابان وروسيا، وتعهد بأن يدعو الأطراف الثلاثة الأخيرة إلى طاولة المحادثات بمجرد الاتفاق على نزع أسلحة بيونجيانج النووية. من جهة أخرى أبدى استعداده، إذا ما انتخب رئيسا، أن يدفع بخطط التنمية الاقتصادية المشتركة بين الكوريتين إلى الأمام، وأن يحيي التبادلات الإنسانية المجمدة حاليا، بشرط أن تقدم بيونجيانج أولا على خطوة جريئة بشأن سلاحها النووي وصواريخها الباليستية.