المنشآت الصغيرة والمتوسطة في «الرؤية»
تلعب الشركات الصغيرة والمتوسطة دورا جوهريا في التنمية الاقتصادية، وتعد العامود الفقري للاقتصاد، وتمتاز الدول النامية ذات الكثافة البشرية العالية بقدرتها على الإنتاج بتكاليف منخفضة، وهذا يجعل كثيرا من الدول أمام تحديات هائلة في مسائل الصناعة والتصدير على أساس تنافسي، فالدول ذات التكاليف الإنتاجية المرتفعة لا يمكنها التصدير بأسعار تنافسية، لذا تلجأ بعض الحكومات إلى تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسط على مواصلة الإنتاج في مقابل تقديم حماية ضمنية عبر تقييد حركة السلع المنافسة الأجنبية، وقد تنجح الحكومات في هذا النوع من السياسات بشكل نسبي، ولا سيما إذا ما كانت هناك سوق استهلاكية داخلية تستوعب المنتجات الوطنية، لكن من منظور ديناميكية الاقتصاد وتفاعل الأسواق، تصطدم هذه الأنواع من سياسات الحمائية بالفشل، نظرا إلى ضعف الاستدامة وصعوبة متابعتها في الواقع العملي وتعارضها مع الحرية الاقتصادية، ولن ينقذها إلا الابتكار والأبحاث، ويمكن الاستشهاد بسويسرا في قدرتها على تنويع اقتصادها عبر الأبحاث والتطوير، رغم ارتفاع تكلفة الإنتاج العالية جدا.
علاوة على ما سبق، تشجع الحكومات في جميع أنحاء العالم البنوك على إقراض المؤسسات الصغيرة والمتوسط، إلا أن إقراضها ينطوي على مخاطر كثيرة، ولا سيما إذا ما كنت الأعمال الصغيرة والمتوسطة لا تمتاز بقدرات مرتفعة على الاستدامة المالية والمنافسة والقدرة على التكييف مع ديناميكية الأسواق دون حمائية، والخطر الأكبر الذي يواجه البنك، التخلف عن السداد، وتعمل بعض الحكومات على ضمان الائتمان "القروض" المقدمة للتقليل من الخسائر المالية التي قد تتكبدها المصارف أو المؤسسات المالية من حالات التخلف، لذلك الضمانات المقدمة من الحكومات تهدف إلى ضمان العائد على القروض، لأنه أساس في سلامة المنظومة الائتمانية "الإقراضية" الوطنية.
إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة هو نهج أساس في الاقتصادات الناجحة، مثل المملكة المتحدة وأمريكا وتايوان وألمانيا واليابان والدول المتقدمة الأخرى، فمثلا، في كوريا الجنوبية يمثل الإنتاج الصناعي من الشركات الصغيرة والمتوسطة 49.4 في المائة، وتمثل القروض لهذه الكيانات الصغيرة 80 في المائة من إجمالي القروض، ويبلغ حجم الضمانات 6.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وعلى غرار تلك الدول رؤية المملكة 2030 رفعت نسبة مشاركة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي من 20 إلى 29 في المائة، أي بمعدل تغير 45 في المائة عما كانت عليه عند إطلاق الرؤية، ونمت حصة التمويل من المصارف لها 8 في المائة. كل تلك النجاحات رفعت من ديناميكية الاقتصاد نحو تنويع الاقتصاد ونقل عبء النمو الاقتصادي إلى الوحدات الاقتصادية الأصغر، أي المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتقدر قيمة مشاركتها 804 مليارات ريال في إجمالي الناتج المحلي وفق تقديرات نمو 2021، ونتوقع أن ترتفع قيمة مشاركتها في 2022 إلى 848 مليار ريال، وفي نهاية المطاف سننجح في تخطي التكاليف المانعة من المنافسة عالميا عبر الابتكار والأبحاث كما فعلت سويسرا.