صندوق استراتيجي .. استثمارات القوة

يعد التصنيف الائتماني في عالم التقييمات اليوم، أحد أهم مؤشرات الإصلاح الاقتصادي لأي دولة، أو كيان اقتصادي، وذلك لأسباب عدة، من أهمها أن الجهات التي تقوم على منح هذا التصنيف ذات قبول عالمي واسع؛ نظرا لكونها مستقلة من جانب، ولها منهجية معتمدة ومعتبرة من جانب آخر، ولأن المستثمرين بتنوعهم يستخدمون هذا التصنيف لتقييم قراراتهم الاستثمارية، سواء بشراء الأسهم، أو السندات، أو حتى الدخول في علاقات اقتصادية طويلة الأمد مهما كان نوعها، ومن ذلك الاندماج، وقرارات شراء الحصص، أو أنواع الأمان التي لا تغطيها تحليلاتهم الخاصة.
التصنيف قد لا يؤثر في الكيان الاقتصادي من حيث التدخل في قراراته الاستثمارية، أو توجهاته، كما أنه لا يقدم نصائح، أو توجيهات من أي نوع، لكنه مرآة تعكس الوضع الراهن، وتقدم صورة إجمالية عن المخاطر التي تواجه إدارة الأموال في الكيانات الاقتصادية. كما أن التصنيفات الائتمانية التي تمنحها مؤسسات، مثل «موديز» و«فيتش»، تضع ترتيبا للجدارة الائتمانية كدلالة على احتمالية التوقف عن سداد المدفوعات أيا كان شكلها ووقتها، فيما تستخدم هذه المؤسسات التقارير السنوية، والصكوك، أو العقود الخاصة بالأوراق المالية للكيانات وبيانات السوق، مثل اتجاهات أسعار الأسهم، وحجم التداول والبيانات المتعلقة بأسعار السندات، وبيانات المجموعات الصناعية، والهيئات العالمية، مثل البنك الدولي، إضافة إلى البيانات التي قد تأتي من الاجتماعات، أو المحادثات مع الكيانات، لذلك فإن حصول أي كيان على ترتيب مرتفع في تصنيفات هذه المؤسسات يعكس جهدا كبيرا لتحقيق متطلبات كثيرة لن تتحقق بمجرد الرغبة في ذلك، بل هي انعكاس واضح لجهود حوكمة الهياكل الإدارية، والاستثمارية، وحجم الأصول، والقرارات الاستثمارية، وقبول الأسواق العالمية، والمستثمرين لها.
وفي هذا الصدد، فإن حصول صندوق الاستثمارات العامة على ترتيب مرتفع في التصنيف الائتماني من وكالتي: موديز وفيتش للتصنيف الائتماني، يؤكد تطور أعمال الصندوق منذ تمت إعادة هيكلته على يد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، عام 2015، وإعادة رسم دوره في الاقتصاد الوطني، ورفع جدارته الائتمانية، وجودة محفظته الاستثمارية، بخطة استراتيجية محكمة، تجعل منه أحد ممكنات تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
وكالة فيتش للتصنيف الائتماني منحت صندوق الاستثمارات العامة تصنيفا مصدرا طويل الأجل عند A، مع نظرة مستقبلية مستقرة، كما منحت وكالة موديز تصنيفا مصدرا عند A1 للصندوق، وتصنيف Aaa كأعلى تصنيف لدى الوكالة في خمس فئات فرعية، وهي: تنوع محفظة الصندوق، السياسات المالية للصندوق، نسبة الاقتراض، تغطية تكلفة التمويل، معدلات السيولة المالية، وهذه موضوعات في غاية الأهمية لصندوق سيادي يعد أحد الأركان الأساسية لرؤية المملكة، كما أنها تؤكد أن الصندوق يقوم بدوره المخطط له تماما، وأصبح اللاعب الرئيس في التحول الاقتصادي المحلي.
تقرير "موديز" أوضح أن هذا التحول يعد أحد الأسباب التي قادت إلى التصنيف المرتفع، حيث ارتفعت الأصول تحت إدارة الصندوق من 570 مليار ريال عام 2015، إلى أكثر من 1.54 تريليون ريال في كانون الأول (ديسمبر) 2020، ما يقدم نموذجا صادقا عن النمو المستدام سواء في العوائد، أو جودة المحفظة الاستثمارية.
ما تحقق من تحولات كان محط أنظار المؤسسات المالية الدولية العريقة، ووكالات التصنيف الائتمانية، وهذا يعكس الحقائق على أرض الواقع، ويضع المكانة اللائقة للصندوق، والاقتصاد السعودي عموما.
كما أن هذه التصنيفات تقدم دليلا إضافيا على جهود التنويع الاقتصادي في السعودية؛ ما يعزز التصنيف الائتماني للمالية العامة من جهة، ولكل مكونات الاقتصاد المحلي، وكياناته الاقتصادية من جهة أخرى، فالتصنيف المرتفع الذي حصل عليه الصندوق السيادي، سيكون له أثر مباشر في التصنيفات التي ستحققها الشركات التي يستثمر فيها أو تعد جزءا من محفظته الاستثمارية، مثل شركتي: الكهرباء، وأرامكو، التي لها سندات متداولة في الأسواق المالية العالمية؛ الأمر الذي يدعم مكانتها، وقدرتها الائتمانية، ويسهم أيضا في حصولها على تسهيلات، وقروض بأسعار فائدة مناسبة.
تقرير "موديز" أثنى على الحوكمة التي يطبقها الصندوق، والتزامه بالحفاظ على سجل ائتماني قوي على مستوى الشركات في محفظته، من خلال تمثيله في مجالس إدارات الشركات التابعة له، ومشاركته في وضع السياسات المالية لهذه الشركات، حيث أنشأ الصندوق 47 شركة منذ عام 2017، إضافة إلى استحداث أكثر من 450 ألف وظيفة بشكل مباشر، وغير مباشر حتى نهاية الربع الرابع من عام 2021.
كل ذلك يأتي بتطبيق الصندوق معايير حوكمة نوعية تهتم بجودة الاستثمارات، وتراقب المخاطر، والسيولة بشكل دقيق، وبالتالي تسعى إلى رفع مكانة الاقتصاد السعودي، وإثبات قدراته التنافسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي