Author

الغرب وأسعار الطاقة .. والشرق والصراعات

|
أستاذ جامعي ـ السويد
أمضيت الأسبوع الماضي أقلب صفحات الصحف والمواقع الإخبارية في الشرق الأوسط والدول الغربية. في كل يوم من الأيام السبعة كنت أخرج بمحصلة مفادها أن الشرق الأوسط منهمك في شؤون السياسة والصراعات، والغرب منشغل بأسعار الطاقة.
وما لاحظته أن الصراعات في الشرق الأوسط من النادر أن تسترعي انتباه الإعلام الغربي أو تحتل صدارة صفحات صحفه، بينما أخبار الطاقة كانت في الأغلب في الصدارة. ولم ألحظ أن وسيلة إعلامية غربية في هذا الأسبوع نقلت عن صحيفة شرق أوسطية، بينما كانت مقالات، أغلبها في صفحات الرأي، في الصحافة الغربية تستأثر بالصدارة في الشرق الأوسط.
أعد قرائي بالعودة إلى الأسباب التي تجعل الصحافة الغربية ومقالات الرأي فيها مصدرا مهما للأخبار في الوسائل الإعلامية الكبيرة في الشرق الأوسط في الوقت الذي لا يكترث الإعلام الغربي لما يرد في الصحافة الشرق أوسطية.
لنعد إلى الطاقة وأسعارها في الغرب التي وصلت مستويات لم نشهدها سابقا، رغم أن أسعار النفط لم ترتفع حتى الآن إلى الأوج التي حققته عام 2008 حيث لامست 150 دولارا للبرميل الواحد. سعر نفط برنت ليوم الثلاثاء "الذي أرسل فيه مقال الأسبوع إلى هيئة التحرير" تجاوز 86 دولارا للبرميل.
وكانت أسعار النفط والغاز مرتبطتين بعض الشيء في السابق، إلا أنه يبدو أن جائحة كورونا لم تغير فينا كبشر فحسب بل ضربت بهذه المعادلة عرض الحائط.
فرض الغاز الطبيعي نفسه على العناوين الرئيسة في الصحافة الغربية إلى درجة أن التقارير الصحافية حتى تلك التي تخص أزمة أوكرانيا، حيث يحبس العالم أنفاسه لما يمكن أن يقع من صراع يهدد مستقبل الغرب برمته.
لم يخل أي تقرير قرأته من تركيز على واردات الغاز إلى أوروبا من روسيا وما قد يحدث لو جرى قطعها إن شن الجيش الروسي هجوما على أوكرانيا.
قد لا يرى الناس منطقا وراء إلهاء الصحافة الغربية عن كل حادث إلا أسعار الطاقة، لكن إن عرفنا أن أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا ارتفعت وبمكسب يزيد على 600 في المائة لربما بطل العجب.
وهناك مسلمة لا أظن في إمكان الدول الغربية الأوروبية التنازل عنها وهي أن إيرادات النفط رغم أنها تشكل ريعا مجزيا للمصدرين إلا أنها أيضا تعد واردا كبيرا للخزانة وذلك للضرائب العالية التي تفرضها الحكومات على استهلاك الطاقة.
والطفرة الكبيرة في أسعار الطاقة في الغرب - في الولايات المتحدة وصل سعر الجالون لبعض أنواع البنزين إلى أكثر من ستة دولارات - جعلت حتى الناس لا تصدق البشائر التي أطلقها السياسيون وبعض الاقتصاديين والخبراء أن عهد الأسعار العالية للنفط ومشتقاته ومعهما الغاز الطبيعي قد ولى لأن العالم في طريقه إلى التخلي عن الطاقة التقليدية.
وأسعار الطاقة في أمريكا مثلا لها أهمية بالغة بالنسبة للفرد العادي حيث الناس بصورة عامة تعتمد على السيارة في التنقل. أما في أوروبا، فالناس تعاني اليوم ارتفاعا كبيرا في أسعار فاتورة الكهرباء حيث صعدت أضعاف ما كانت عليه في الأشهر الأخيرة.
في السويد مثلا، تأتي أخبار أسعار الكهرباء في المقدمة حيث يشتكي الناس من الفواتير المرتفعة رغم ما تبذله من جهد لتقنين الاستهلاك.
في الحقيقة، الأسعار في صعود وبوادر التضخم بادية للعيان إلى درجة أن الأسواق والناس المثقلة بالديون خصوصا العقارية منها في قلق دائم. هناك بوادر تشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي" في نيته رفع أسعار الفائدة بعد أعوام من مستويات منخفضة جدا ما شجع على الإقراض.
سعر الفائدة له مفاعيله للجم التضخم أو إطلاق عنانه، بيد أن أي من المسارين له محاسنه ومضاره. الناس في الغرب مثقلة بالديون لأن أسعار الفائدة المنخفضة شجعتهم على الاقتراض وبمستويات عالية.
ضخ كميات هائلة من السيولة على شكل قروض لم يكن ممكنا إن كانت معدلات الفائدة عالية.
وتسبب السيولة ارتفاعا في الأسعار، وهذا ما حدث بالفعل في الأعوام الأخيرة خصوصا في العامين الماضيين من عمر الجائحة حيث ضخت الحكومات النقد في الأسواق إما بطبع العملة أو شراء سندات الدين أو أي إجراء ممكن آخر.
وارتفعت الأسعار بشدة نتيجة لذلك وتضخمت بسبب ما ألحقته الجائحة بسلاسل الإنتاج. معدل زيادة الأسعار للمواد الأولية الداخلة في البناء في السويد، وهو مؤشر له تأثيره في مستوى العالم لأن البلد مصدر كبير في هذا المضمار، شهدت زيادات كبيرة هي الأخرى.
لكن من تجربتي كصحافي وكاتب، هناك تركيز في الغرب على مصادر الطاقة الأحفورية التي يعد الغرب مستهلكا كبيرا لها. في السويد هناك ما يقرب من خمسة ملايين سيارة شخصية وإن أضفنا إليها العجلات والشاحنات والحافلات يقترب العدد الإجمالي من ثمانية ملايين لسكان يبلغ تعدادهم عشرة ملايين. ومن ثم، فإن إلقاء اللوم على الطاقة يعفي الحكومات من المسؤولية المباشرة لارتفاع الأسعار عموما، أو هكذا أقنعوا الناس والإعلام بذلك للهروب من المسؤولية.
إنشرها