Author

تقييم الآثار السلبية للفائدة السالبة «1 من 2»

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

البنوك المركزية تستخدم معدل الفائدة من أجل تنظيم دورة الأعمال وتشجيع البنوك على إقراض الأموال لغايات تحفيز اقتصادها على الإنتاج والعمل، وعندما يسير المنطق على هذا النحو، فإن أسعار الفائدة السالبة والمنخفضة تطرد الأموال من المصارف إلى المقترضين، وتعد هذه الحالة مثالية للأعمال والمستهلكين، لكنها عقوبة للمدخرين، وكلما كان المدخرون محدودي القدرات أو غير مؤهلين للاستثمار وتعويض فجوة التضخم والفائدة السالبة، كان تأثير الفائدة عليهم أكبر، مثل المتقاعدين والأسر التي تمارس الادخار بشكل منتظم للمستقبل.
الادخار وقود الأسواق والاقتصاد وضروري للأسر، لكن البنوك المركزية أهدرت قيمة تلك المدخرات بسبب طبيعة ميكانيكية الاقتصاد التي يقررها تجاذب النمو الاقتصادي والتوظيف والتضخم، فمعدل الفائدة السالبة أو المنخفضة يؤدي إلى تراجع معدلات الادخار وفي الوقت نفسه يحرم المدخرين من فوائد مدخراتهم، فمنذ 2008 حتى نهاية 2021 ضاع على المدخرين في أمريكا لوحدها فوائد تقدر بأربعة تريليونات دولار.
من جانب آخر، عندما ترتفع أسعار الفائدة، فإن معدلات التوظيف تتراجع وأسعار الرهن العقاري تصعد ويتراجع كل من أعداد المساكن والقروض الاستهلاكية. بمعنى آخر: تجعلهم يقدمون مزيدا من الأموال للاستهلاك أو لشراء المساكن، وقد عالجها صناع السياسات الاقتصادية من خلال أسعار الفائدة الثابتة للرهن ورفع سقف الائتمان للقروض الاستهلاكية.
يؤدي سعر الفائدة المنخفضة والسالبة إلى زيادة الضغط على منتجات خدمات التوفير للأفراد، حيث يواجه الوسطاء مخاطر مرتفعة، ولا سيما للمنتجات طويلة الأمد كبرامج المستقبل للأبناء والتقاعد، ويصبح التحدي أكبر عندما تكون المنتجات خالية من المخاطر، فقد يؤدي إلى فشل برامج الادخار أو إلى إفلاس تلك المؤسسات الوسيطة مستقبلا أو عجزها الجزئي. ويمكننا إدراك المخاطر بطريقة أدق إذا ما تعاملنا مع سعر الفائدة الحقيقي وليس الاسمي، أي بعد استبعاد التضخم الفعلي وليس الاسمي بعد إجراءات كوفيد - 19.
السياسات النقدية وسعر الفائدة على وجه التحديد يراها كثير من الشعبويين وغير المختصين في السياسات الاقتصادية، ولا سيما في الولايات المتحدة، سببا جوهريا في هدر المدخرات، ولذا استخدموا تلك الحجة بكثافة في تسويق العملات المشفرة. وعلى الرغم من ذلك، لا يمكننا في الرأي الاقتصادي تجاهل تلك الانتقادات، خاصة مع حالة الإفراط في التيسير الكمي من الدولارات الأمريكية.
بالعودة إلى تقييم الآثار السلبية للفائدة السالبة عمليا، فإن البنوك المركزية لا تفرض فائدة سالبة إلا على نسبة محددة من احتياطيات البنوك، فمثلا في اليابان يدفع البنك المركزي الياباني سعر فائدة إيجابي للاحتياطيات الأساسية والفائض يتم تطبيق معدل الفائدة الصفرية عليه من أجل توفير أرباح للبنوك، والأمر يتكرر في الاتحاد الأوربي، لكن بطريقة مقاربة عبر مستويين من الأسعار.
وفي ختام مقال اليوم، أذكر أن التيسير الكمي جعل العملات الوطنية أقل قيمة ومعدلات التضخم الحقيقي أسرع، كما أن الحكومات مستمرة في وضع ضرائب أعلى لمعالجة آثار نقص إيراداتها.
إنشرها