Author

ثقافة الانعزال

|

الإنسان بطبعه كائن اجتماعي يحب أن يأنس بالآخرين ويحب أن يأنس الآخرون به وهذا أمر فطري جبلي، إلا أنه من الملاحظ أن هذا العالم الجميل بدأ يضيق شيئا فشيئا على بعض الناس، ومرد ذلك أساسا إلى الطفرة التكنولوجية الهائلة التي انتشرت في العالم أخيرا، ومعها بدأت الفجوة النفسية بين الناس تتشكل وتزداد رقعتها يوما بعد يوم حتى لتكاد الوحدة والانعزال أن تكون سمة من سمات هذا العصر.
منذ وقت ليس بالبعيد كان الناس يجتمعون في مجالس أو ديوانيات مشتركة يتجاذبون أطراف الحديث وينثر بعضهم همومه على جلسائه، أما الآن ومع ظهور أجهزة الاتصال الحديثة وتوافرها لدى جميع فئات المجتمعات البشرية، فقد ضربت العزلة بأركانها حتى إن اجتمع الناس جسديا إلا أن كل واحد يغني على ليلاه! وما زاد الطين بلة انتشار ظاهرة التسوق الإلكتروني الذي أسهم في زيادة الفجوة في الحياة الاجتماعية وأصبح المجتمع كأنه يعيش في حياة افتراضية. بجانب ما سبق هناك عدة أسباب لظاهرة الوحدة والانعزال فقد يعزى ذلك لأسباب تربوية، كأن ينشئ الوالدان الأبناء عن طريق التخويف المطلق من الاختلاط بالآخرين، وقد تكون هناك أسباب اجتماعية مثل المشكلات المنزلية أو انفصال الأب والأم فيميل الأطفال إلى الانطواء والانعزال.
أيضا عدم الثقة بالنفس قد تقود الشخص إلى تجنب التواصل الاجتماعي المباشر مع الآخرين. ضغوط الحياة العصرية مع ما تتطلبه من مصاريف مادية باهظة قد تؤدي إلى الإصابة بما يعرف بأمراض العصر، كالاكتئاب والتوتر والقلق وما يصحبها من آثار نفسية تقود من يعانيها إلى الجلوس منفردا والميل إلى الانعزال. في بعض الأحيان قد تلعب المرحلة العمرية دورا في ذلك خاصة مرحلة المراهقة ومرحلة ما بعد التقاعد، أو التعرض لصدمات مفاجئة كفقد عزيز أو التعرض لأزمات مالية ونحو ذلك.
وأيا كان السبب فإنه من المهم معرفة طرق الخروج من الانعزال، وتأتي في مقدمتها الاستعانة بالله وصدق اللجوء إليه ثم مواجهة النفس بالسلبيات والإيجابيات، وأن يضع الإنسان لنفسه خطة واضحة للتعامل مع من حوله وأن يلتحق بأحد الأندية الاجتماعية أو الرياضية، وأن يحرص على العمل التطوعي بجانب تطبيق نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة باستمرار. وبالطبع نحن لا نقصد هنا العزلة المؤقتة التي تتيح للإنسان لملمة ذرات روحه التي تبعثرت في زحمة الدنيا!

إنشرها