default Author

ثقافة المتاح

|
قبل الثانية مساء بدقائق اتصلت على إحدى الزميلات في العمل وطلبت منها خدمة اعتذرت بلطف بقولها: اليوم انتهى الدوام غدا سيكون لديك ما طلبتي، لم أعترض ولم ألح في الطلب كالعادة، بل اجتاحتني موجة صمت وكأنها قرعت أجراس الإنذار في عقلي وأضاءت لي النور الذي في آخر النفق. أعوام أضعنا فيها ذلك الحد الفاصل بين العمل والراحة، نعدها تفانيا وتضحية وننسى أنها سلبت منا الحياة!
الانهماك في العمل وتلك المقاطعات الصغيرة في أوقات راحتنا أو إجازاتنا سواء القصيرة أو الطويلة مثل ردك على إيميل من رئيسك في العمل وأنت تستمتع بإجازتك على أحد الشواطئ، أو الاستجابة لطلب من زميلك في العمل على "الواتساب" وأنت في نزهة عائلية، أو إرسالك رسالة لأحد مرؤوسيك، نعدها تصرفات بسيطة لا تشكل مشكلها فما هي إلا رسالة واحدة. وفي الواقع هناك تكلفة حقيقية لهذه المقاطعات كما تشير الأبحاث، حيث إنها تؤدي إلى خسائر فادحة، فالتسلل المستمر للعمل في حياتنا الشخصية يمكن أن يزيد من ضغوطنا، وينال من سعادتنا ويضر بالعمل نفسه. فكيف يحدث ذلك؟
أثبتت الدراسات أن الشركات تخسر 32 يوما من الإنتاجية كل عام نتيجة اكتئاب الموظفين، الذي في الأغلب ما يكون بسبب الضغط والإرهاق الناتج عن ثقافة المتاح أو الوجود الدائم التي نتبعها.
وفي إحدى الدراسات، أجرى الباحثون تجاربهم على الآباء الذين كانوا يزورون متحفا للعلوم مع أطفالهم. قيل لبعض الآباء أن يتفقدوا هواتفهم قدر الإمكان. وقيل للآخرين أن يتفقدوا هواتفهم بأقل قدر ممكن. بعد الزيارة، قال الآباء الذين استخدموا هواتفهم إن التجربة كانت أقل أهمية بشكل ملحوظ. كما شعروا أنهم أكثر وحدة.
عندما تجمع كل هذه اللحظات، فإن الناتج هو حياة ناقصة من المعنى، والمتعة، والتواصل، حتى الذاكرة. ولعل العمل عن بعد عزز هذا الخلط بين العمل والراحة فأجهزتنا لا تفارقنا، أجسامنا موجودة مع عائلاتنا وعقولنا في العمل.
ولكي نحمي أوقاتنا وننجز وفي الوقت نفسه نستمتع بالحياة لا بد لنا من إعادة صياغة مفهوم الراحة في عقولنا، تتمنى أن ترتاح من أعباء العمل ولكن عقلك يشعرك بأنك ستكون غير منتج وكذلك ستخذل زملاءك إذا احتاجوا إليك.
لذا وضع الباحثون استراتيجيات ذكية للتمتع بوقت الراحة سواء باقي يومك أو نهاية الأسبوع أو خلال إجازتك السنوية، ما عليك سوى الابتعاد تماما عن أجهزتك وهاتفك وإطفاء محرك العمل في داخلك. توقف عن استقبال الرسائل والإيميلات وأخبر الجميع أنك في إجازة وسترد حال عودتك.
إنشرها