Author

تحولات الطاقة وتوازنات السوق

|

عندما يتحدث الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، عن حالة وهيكل اقتصاد الطاقة، فهو حديث الواثق والخبير المطلع على مجريات الأمور، وصاحب باع طويل يعرف خبايا ملفات وتقلبات السوق منذ أن كان مديرا لإدارة الدراسات الاقتصادية والصناعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن 1985، وهي الفترة التي شهدت اضطرابات شديدة في أسواق الطاقة، حيث يدرك التفاصيل الدقيقة لهذه السوق، وبالتالي فإنه عندما يطلق تحذيراته بشأن حالة واتجاهات أسواق الطاقة، فيجب أخذ تلك التحذيرات على محمل الجد.
الأمير عبد العزيز بن سلمان كان قد تحدث بشفافية عن أزمة الطاقة، التي قد يواجهها العالم خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد صدور الميزانية السعودية 2022، حيث قال: "نحن مقبلون على فترة قد تكون خطيرة.. أنا أحذر من أزمة طاقة، قد ينخفض إنتاج النفط بنحو 30 مليون برميل يوميا بحلول 2030 حال وقف المشاريع الجديدة".
هذا التوقع بحدوث تراجع في إنتاج النفط في وقت ترتفع فيه الأسعار بهذا الشكل حتى تجاوزت سقف 80 دولارا، يعود إلى توقف المشاريع الجديدة، ويضع الأسئلة حول الأسباب التي تأخذ العالم إلى هذا المسار.
وخلال أعمال مؤتمر التعدين الدولي الذي يعقد تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ويعد الأول من نوعه في قطاع التعدين على مستوى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وإفريقيا، قال وزير الطاقة إن مشكلة سوق الطاقة الحالية تكمن في عدم وضوح السيناريوهات والمسارات، وإن العالم يتعرض لضغوط إعلامية من أجل إيقاف الاستثمارات في الطاقة الهيدروكربونية، وعلى أساس من قضايا حماية البيئة، لكن هذا يلقي بظلال كبيرة على مسألة أمن الطاقة، مضيفا: "لا ينبغي أن نضحي بأمن الطاقة من أجل حيلة دعائية، والتحول يجب أن يكون مدروسا".
نعم، هناك مسارات كثيرة اليوم متاحة للتحول في الطاقة، لكنها لم تكتمل بوضوح، ولا يمكن إيقاف المشاريع والتطوير في الطاقة الأحفورية بصورة قد تربك المشهد الاقتصادي العالمي وتمضي عكس ما تفرض الوقائع الاقتصادية.
الواقع الاقتصادي يتجه، حيث تتجه الأموال والاستثمارات، والمستثمرون يبذلون ويضخون أموالهم لمن يضمن لهم أفضل عائد، واليوم ما زالت السوق النفطية تمنح عوائد مجزية، وستبقى لفترة، لكن ترك هذه الحقائق والاتجاه في مسارات غير واضحة مقلق أكثر من القلق الذي تفرضه الأزمة المناخية، فالنفط اليوم يدار بشكل سليم حول العالم، وهناك اتفاقيات دولية بين المنتجين للمحافظة على مستويات مناسبة لأمن الطاقة العالمي.
إن رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي وضعت كل هذه الاحتمالات أمام متخذي القرار، ونصب أعينهم، عند بناء السيناريوهات المحتملة، تعمل على كل المسارات بحرص وتوازن شديد، وكما أشار وزير الطاقة، المسألة تتعلق بالأفعال وليس الأقوال، فالمضي قدما في المحافظة على أمن الطاقة، وتوازن السوق، وعدم الانجراف نحو العمل الدعائي المعروفة مقاصده، يأتي جنبا إلى جنب مع تنمية الاستثمارات في مجالات إنتاج النيتروجين الأخضر، الذي بدأ يثبت جدواه الاقتصادية، ويحقق طلبا عالميا وبديلا يقرب التوازن بين متطلبات البيئة، ومتطلبات أمن الطاقة، وفي المقابل تعمل السعودية بجد بشأن إنتاج الطاقة الشمسية، وتم تدشين محطة سكاكا، وهناك محطات سيتم إطلاقها قريبا.
إن هذا هو التوازن المنشود، والذي يحقق أمن الطاقة دون قفزة إلى المستقبل المجهول، فالسعودية وفي كل مناسبة تتحدث بشفافية بشأن إمدادات الطاقة، وتشارك العالم في القضايا المتعلقة بالبيئة، ولكن التهديدات التي يتسبب فيها تضر أمن الطاقة، ولا تقل خطورة عن التهديدات التي تشهدها التغيرات المناخية، إذا لم تكن الأولى أشد وطأة على الشعوب والدول.
لا مفر من مواجهة هذه الحقائق بشجاعة، ولكن وفق أسلوب ونهج منطقي، وعقلاني، وحكمة مبنية على التريث، وليس وفقا لحملات دعائية تريد قفزات للمجهول، وتحولات معقدة.

إنشرها