السيارات والرقائق .. عراقيل واضطرابات

تمر صناعة السيارات في العالم بتحولات عميقة، سواء في هياكل السوق وأشكال المنافسة، أو في أنماط التقنية التي تعتمد عليها، وهو ما سيكون له أثر واضح في صناعات أخرى مرتبطة مثل صناعة النقل والمكملة مثل الصيانة وقطع الغيار، والمقلق في الأمر أنه قد لا يكون هناك متسع من الوقت للتأقلم مع التحولات المقبلة، كما أن الحالة الراهنة فيها كثير من الغموض وعدم التأكد.
وهنا لا بد من التركيز في الحديث أن أكبر العقبات، التي واجهت الصناعة كانت تتعلق بالرقائق الإلكترونية، وطوال العام الماضي جاهدت صناعة السيارات للتغلب على عدم اليقين بشأن توفير هذه الرقائق، فمجموعة مثل "فولكسفاجن" تأثرت بالإمدادات، ما أدى إلى إغلاق مؤقت في بعض المصانع، وفي المملكة المتحدة تباطأت مبيعات السيارات الجديدة مع تنامي قائمة الانتظار، فمثلا تؤكد التقارير أن سجلات الطلبيات لدى شركة السيارات "أودي" قد امتلأت، لكنها لم تتمكن من إنتاج نحو ألف سيارة في النصف الأول من العام الماضي للنقص الذي حدث في بعض المكونات، بينما تقول شركة بي إم دبليو إنه كان يمكنها أن تزيد من مبيعاتها بمقدار يراوح بين ألف سيارة لولا مكونات النقص هذه، فعدم اليقين المرتبط بهذه الرقائق الذي تسبب في كل هذه الاضطرابات، التي تأتي من عاملين رئيسين، الأول هو الوباء، الذي أجبر صناعة أشباه الموصلات على الإغلاق جزئيا وأدى إلى انخفاض المعروض من الرقائق عن المعتاد، والثاني– كما تؤكد عدة تقارير اقتصادية– يعود لتنامي الطلب على الرقائق من صناعات أخرى غير السيارات، نظرا لتزايد الحاجة إلى التكنولوجيا في مواقع كثيرة، إضافة إلى إطلاق ألعاب جديدة تعتمد على هذه الرقائق. لكن مشكلة عدم اليقين في صناعة السيارات لم تتولد من مجرد صعوبات في الحصول على الرقائق، بل الأمر يمتد إلى مشكلة الشحن العالمية، التي تلقي بظلالها على قدرات هذه الصناعة للوصول في الوقت الصحيح للأسواق، وهذا العامل الأخير يضغط اليوم بشدة على هيكل الاستثمارات في الصناعة.
ووفقا لهذا، فإن الأسئلة في الأغلب تدور حول آليات التعامل مع هذه التحديات الاقتصادية التي تمر عبر هذه الصناعة العريقة. وبشأن مشكلة الشحن العالمية، فإن أهم استراتيجيات قطاع السيارات لمقابلة هذا التحدي هو ما أعلنته شركة تصنيع السيارات الفيتنامية "فينفاست"، ورغبتها في تصنيع سياراتها التي تعمل بالطاقة الكهربائية في ألمانيا، وقد قال الرئيس التنفيذي لشركة "فينفاست"، "لقد انتهى عصر شحن السيارات إلى جميع أنحاء العالم، ولا سيما منذ تفشي جائحة كورونا. يجب أن يكون المصنع قريبا من السوق من أجل كسب العملاء". بينما يظهر الاندماج بين شركات صناعة السيارات وشركات التكنولوجيا، هو الحل الأمثل لمواجهة تحديات الرقائق والتقنية عموما، فالأنباء تشير لاتفاق مجموعة صناعة السيارات الأوروبية الأمريكية ستيلانتس وشركة التجارة الإلكترونية الأمريكية أمازون على التعاون بينهما لتطوير برمجيات للسيارات، وهذا يوضح المسار الجديد والحل المناسب.
فالتغلب على المشكلات التقنية التي تواجه شركات صناعة السيارات خاصة في قطاع الشركات الكهربائية لن يتحقق بسهولة ما لم تتحد تقدم التقنية مع جهود التصنيع في شركة واحدة ذات مصلحة واحدة غير متعارضة، وهذا التوجه الاستراتيجي سيصنع عملاقا صناعيا عالميا، نظرا لما يحمله كلا الطرفين من أصول ابتكارية.
إن هذا التوجه الاستراتيجي الأخير وجد صداه في هياكل السوق من خلال الرغبة الجامحة لدى "أمازون" لتطوير آليات الشحن ونقل البضائع، التي تجعلها تراهن على صناعة السيارات الكهربائية ذاتية القيادة، وأن "أمازون" ستصبح في الوقت نفسه أول عميل تجاري للسيارة الكهربائية الجديدة، التي تستخدم في خدمات توصيل البضائع والمقرر طرحها في الأسواق. لهذا، فإن تحولات كبيرة في سوق السيارات واتجاهات الطلب عليها يزيد من الضغوط على صناعة السيارات التقليدية، ويضعف مسارات التقدم، خاصة مع استمرار ضغوط الرقائق وتناميها أيضا بدخول هذه التكنولوجيا للأسواق، وأكد الرئيس التنفيذي لشركة أمازون بشأن الاندماج، الذي يسعى إليه "الوضع الأساسي للتحول من شركة صناعة سيارات تقليدية إلى قائد عالمي في التطوير والهندسة المعتمدة على البرمجيات"، ما يعني تحول صناعة السيارات العالمية بعيدا عن المحركات التقليدية والتركيز على المحركات الكهربائية، وهذا التحول يغير مسار وشكل الإيرادات المستدامة في صناعة السيارات من الاعتماد على قطع الغيار إلى الإيرادات الناتجة من تنزيل البرمجيات وتحديثات خدمات مثل أنظمة الملاحة والصيانة، كما أن البرمجة وأنظمة الكمبيوتر ستكون ساحة المنافسة الجديدة بين شركات السيارات، ليس هذا فحسب، بل إن الاندماج بين صناعتي البرمجيات والسيارات يمتد لتقديم خدمات البرمجة والخدمات اللوجستية لمديري أساطيل سيارات التوصيل التي تنتجها، هذه هي الصورة تماما، فالاستحواذ الجديد بين الشركات يجعل قطاع التكنولوجيا يمتد إلى قطاع صناعة السيارات والعكس، بما يوجد كيانات تصنع سيارات النقل والخدمات التكنولوجيا، التي تحتكر وتقدم برمجيات خاصة بها تسهل الوصول للعملاء من خلال خدمات ذاتية، فشركة مثل جنرال موتورز تعد أكبر منتج سيارات في الولايات المتحدة عملت على توقيع عقدين من خلال شركة برايت دروب لتطوير سيارات كهربائية تستخدم في خدمات توصيل البضائع لمصلحة شركة فيدكس للنقل والخدمات اللوجستية وسلسلة متاجر التجزئة وول مارت، علما بأن شركة برايت دروب تقدم خدمات البرمجة والخدمات اللوجستية لمديري أساطيل سيارات التوصيل التي تنتجها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي