قوة اليورو .. لماذا ثانيا؟

عندما أطلقت العملة الأوروبية الموحدة قبل 20 عاما، سبقتها استعدادات دامت عقدا من الزمن، بما في ذلك دخول العملات الوطنية الأوروبية إلى آلية الصرف التي وضعت حدا أدنى وأعلى لارتفاع هذه العملات أو انخفاضها، بينما اشتغلت آلة التسويق الاجتماعية لليورو، عبر إرشاد الأوروبيين إلى هذه العملة، ومقارنتها بالعملات الوطنية حتى قبل أن يدرج اليورو في التداول، وظلت المؤسسات لأعوام عديدة تضع الأسعار بالعملة المحلية لهذا البلد أو ذاك وباليورو الجديد.
الآن بعد عقدين من الزمن على اعتماد اليورو في 18 دولة، بينها دول محورية كبرى مثل: فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، لا تزال بعض الأسئلة تطرح حول هذه العملة، التي دعمت بقوة الهوية الأوروبية، وكرست الأسس التي قام عليها الاتحاد الأوروبي بشكل عام، فالانضمام إلى "نادي اليورو" ليس سهلا، لكنه ممكن لأي دولة ضمن الكيان الأوروبي.
الأوروبيون كانوا يريدون من اليورو أن يكون عملة جامعة لتجمعهم وتكتلهم الوحدوي، وأن تكون لهم استقلاليتهم عن الدولار الأمريكي، وتنافسية في التعاملات التجارية وغيرها، إلا أن العملة الأمريكية بقيت متسيدة المشهد المالي العالمي، في حين أجهدت دول نفسها مثل الصين، وروسيا، وغيرهما في طرح عملة بديلة للدولار، وما زال الطريق شاقا أمامها لأن المقومات، التي يقوم عليها الدولار الأمريكي ليست متوافرة في الدول الساعية لضرب احتكاره العالمي في التعاملات.
الحقيقة لا يزال الدولار على رأس العملات العالمية كلها، ويبقى الأكثر أمانا، حتى من اليورو وإن تمتع هذا الأخير بمقومات القوة، والأمان، والاستدامة أيضا. واحتفظ اليورو بمكانته في النهاية كعملة قوية آمنة ثانية، لكنه ظل دون مستوى المنافسة.
وفي عز الأزمة الاقتصادية، التي جلبها وباء كورونا، أسرع المستثمرون حول العالم لتحويل أصولهم إلى العملة الأمريكية، الأمر الذي عزز قيمة الدولار في أوج هذه الأزمة، ودعم وجوده على رأس قائمة العملات الرئيسة. مع الإشارة إلى أن 60 في المائة من احتياطي العملات الصعبة في البنوك المركزية حول العالم هي في الدولار، وسط مؤشرات على أن هذه النسبة ستواصل الارتفاع، خصوصا في أوقات الأزمات واضطرابات الأسواق.
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن تعثر اليورو في تحقيق تنافسية عالية مع الدولار، أتى أيضا من جراء المشكلات الاقتصادية والمالية الخطيرة التي ضربت عددا من الدول الأوروبية بعد عشرة أعوام من إطلاق العملة الأوروبية، هذه الأزمة أضافت أعباء على كاهل البنك المركزي الأوروبي، وفرضت أولويات الإنقاذ التي يعرف الجميع كيف سارت.
مكانة وقوة اليورو على الساحة الدولية لا تزال مشوشة بعض الشيء، حتى إن بعض المختصين قالوا: "الجميع متفقون على أن يضطلع اليورو بدور أكبر على الساحة الدولية، ولكن ثمة تباينات حول طريقة التوصل إلى ذلك".
ولا شك في أن تعثر اليورو في منافسة الدولار على ساحة السندات، قللت من فرص عملة أوروبا أن تكون أكثر محورية من العملة الأمريكية، فكما هو معروف، هناك دول من بينها ألمانيا المحور المالي الأقوى في اليورو تعارض التوسع في هذا المجال، لذا بقي الدولار ملاذا للمستثمرين في العالم عندما تحدث الاضطرابات أو المشكلات. سيظل اليورو عملة عالمية قوية، إلا أنه سيبقى دون مستوى الدولار الأمريكي في التنافسية، وفي توسع دائرة اعتماده من قبل الأسواق هنا وهناك، علما بأن العملة الأوروبية يمكنها أن تحقق قفزات في المستقبل، إلا أن "حكومات اليورو" عليها أن تتفق على منهج أساسي واحد، وتحدد بوضوح أهدافها في هذا المجال، لخمسة عقود مقبلة على الأقل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي