لم يعد الناس في الغرب يستسيغون الإغلاق لماذا؟
هناك بوادر واضحة في الدول الغربية أن الناس بدأت تفقد الثقة بالإجراءات الاحترازية التي تتخذها الحكومات للحد من انتشار فيروس كورونا ومتحوراته. ورغم أن الإغلاق والتباعد الاجتماعي يعدان من أكثر الإجراءات نجاعة في الحد من تفشي هذا الفيروس المعدي والخطير، إلا أن الناس أخذت تقاوم الإجراءات القسرية في مظاهر عدة منها الخروج إلى الشوارع للتعبير عن سخطهم.
قد يسأل البعض لماذا لا يرغب الناس في البقاء في بيوتهم والحكومات تدفع لهم رواتبهم أو تعوضهم عن خسارة ريع أعمالهم؟.
الدول الغربية، خصوصا الغنية في أوروبا وشمالها، أقامت نظاما من الرخاء الاجتماعي بموجبه تصبح الدولة ملزمة بتوفير عيش كريم لكل فرد حتى إن كان عاطلا عن العمل.
وعندما تفرض الدولة إجراءات يخسر بسببها الناس مصدر رزقهم، يصبح لزاما عليها تقديم تعويضات مجزية. إذن: الإغلاق يكلف خزينة الدولة كثيرا، عدا أنه يؤدي إلى تعطيل كثير من حلقات الإنتاج مع ما يلحق ذلك من تدن في الصادرات وزيادة في الأسعار وتأخير توريد السلع.
تشير الاستبيانات التي تنشرها الصحافة الغربية إلى عدم رغبة الناس في فرض الإجراءات الاحترازية حاليا، وهذا يعاكس ما كان عليه مزاج الناس قبل عامين عندما بدأ الفيروس بالانتشار حول العالم.
في إنجلترا مثلا، كانت نسبة المؤيدين للإغلاق سابقا تصل إلى نحو 85 في المائة من السكان. ليس في إنجلترا فحسب، بل أغلب الدول كان هناك دعم كبير للإجراءات الصارمة والإغلاق الشامل.
هنا نستثني السويد التي شذت عن بقية العالم ورفضت تطبيق الإغلاق الشامل وكان أغلب الشعب، عكس إنجلترا مثلا، مع ترك قرار التباعد الاجتماعي لحكمة الناس وتجاوبهم. وكانت الاستبيانات ولا تزال تشير إلى أن أغلب السويديين يرفضون الغلق الشامل. لكن مهما كان من أمر، فإنه لا يجوز الاستهانة بهذا الوباء المنتشر بسرعة في كل دول العالم. عدم الاكتراث لما قد يسببه من مآس ستكون له نتائج وخيمة على البشرية.
كيف يجوز مثلا عدم أخذ خطر المتحور الجديد أوميكرون محمل الجد؟ أقصى ما تخشاه الحكومات هنا في الغرب هو انهيار النظام الصحي، ومتى يبدأ النظام الصحي في الانهيار؟ يحدث ذلك عندما تصل نسبة الإصابات التي هي في حاجة إلى التطبيب والعناية المركزة درجة لم يعد في إمكان المستشفيات التعامل معها. وهذا حدث في السويد، البلد الذي كان ولا يزال أقل اكتراثا من الدول الإسكندنافية المجاورة له والغربية الأخرى في الخشية من تفشي الجائحة.
لجأت الدولة إلى فرض بعض الإجراءات الملزمة للتجمعات بعد إنذار من هيئة الصحة العامة على أن الطاقم الطبي صار تحت ضغط هائل إثر الزيادة الكبيرة في الإصابات، وأن إيجاد سرير فارغ حتى للحالات الطارئة في المستشفيات السويدية صار أمرا عسيرا. مع ذلك، نلاحظ انحدارا كبيرا في نسبة المؤيدين للإغلاق في الغرب عموما، وصار الناس بأعداد ونسب كبيرة يرفضون الإغلاق أو فرض إجراءات قسرية، حسب الاستبيانات التي تم نشرها بعد الموجة العاتية للمتحور أوميكرون. وتعالت أصوات تطالب الحكومات بالبحث عن طرائق أخرى غير الإغلاق والإجراءات القسرية لاحتواء الجائحة. فبعد نحو عامين من تبدل جذري في أسلوب الحياة في الغرب، هناك تفهم واستيعاب لما يبديه الناس من امتعاض من الوضع الحالي.
ما يلاحظ على القوانين أو التعليمات التي يصدرها أغلب الدول الغربية أنها تأتي متأخرة، أي بعد أن ترى الحكومات ذاتها في وضع حرج جدا وهي ترى المستشفيات قد ضاقت بالمرضى. والمعارضون للغلق وإجراءاته أغلبهم من الشباب. وتشير الدراسات إلى أن هذه الشريحة، رغم أنها الأقل تأثرا بالوباء الذي يصب جام غضبه على كبار السن، عانت الأمرين: الأول، خسرت عامين من خيرة سنيها وهي معزولة اجتماعيا عن العالم بدلا من الانفتاح له، والثاني خسرت الوجود الصيفي في المدارس والجامعات، حيث يمثل ذلك بعدا اجتماعيا وثقافيا لا غنى عنه في تكوين شخصية الفرد.
وهناك شؤون حياتية أخرى تقف بالضد من الغلق قد لا نشاهدها في مجتمعات خارج نطاق المجتمعات الغربية.
خذ السويد مثلا. في هذا البلد الذي رفض ولا يزال يرفض الإغلاق التام هناك نحو 4.8 مليون منزل، يقطنها 10.38 مليون نسمة، هذا حسب إحصاءات عام 2020. ونحو نصف هذه المنازل تتألف من عائلات قوامها شخص واحد "في السويد الشخص الذي يعيش بمفرده يعد عائلة". ونحو 50 في المائة من هذه المنازل هي شقق سكنية صغيرة معدل مساحتها لا يتجاوز 70 مترا مربعا.
تصور لوهلة كيف كان سيكون الوضع النفسي والاجتماعي لملايين السويديين لو فرضت حكومتهم الإغلاق الشامل، أي: احتجازهم في شققهم الصغيرة هذه فترات طويلة من الزمن؟.