Author

عندما يكون الاحتفال حقا وواجبا

|

يربط بعض البائسين مفردة الاحتفال بالتصرفات غير الناضجة أو التمرد والخفة والمبالغة في التعبير عن الشعور الإيجابي بطرق غير عقلانية. بينما يظل الاحتفال في حقيقته ممارسة طبيعية درج عليها البشر على مر التاريخ، يظهرون معها الامتنان ويجسدون بها الرضا عن أنفسهم ويتذكرون من خلالها الإنجازات. من الطبيعي أن يحتفل أي فرد أو مجموعة بما هو مهم لهم. الاحتفال مدخل مهم للتجديد والانتعاش والتفكر حول ما هو مقبل، وقبل ذلك هو خروج ضروري من دائرة الرتابة وفرصة لمراجعة ما سبق، وتحديدا الإيجابي مما سبق، ويشمل مكافأة الذات أو الغير عن جهود تستحق المكافأة.
ستجد في مثل نهاية عام 2021 التي أصبحت اليوم مما سبق، فرصا كثيرة للاحتفال، سواء على المستوى الشخصي أو المجموعات وأماكن العمل.
لا يرتبط الاحتفال بالضرورة بالصخب، ويصبح أكثر قيمة كلما حاز مزيدا من المعنى. ولهذا ستجد من الأفراد والشركات من هم أكثر منطقية وذكاء في الاحتفال، ومن هم أقل. تتعدد أشكال الاحتفالات في مقار العمل، فمنها ما يسرد الإنجازات ومنها ما يتشبث بإنجاز وحيد قد يكون مثلا: مرور العام بسلام، وهناك من القادة وفرقهم من يبدعون في تحقيق مغزى الاحتفال، ومنهم من يضيف قدرا جديدا من الارتباك إلى المشهد. من الطبيعي كذلك أن تجد من يربط الاحتفال بالجائزة، سواء كانت حسية أو معنوية، فالاحتفال فرصة للتعبير عن المشاعر وفرصة للتقدير والتعويض، ولا ضير في ذلك.
وفي الاحتفال مسؤولية، مسؤولية تصميمه وترتيبه وإخراجه بما يليق، وهناك من يبدع في ذلك، وهذه مهارة أرى أنها تستحق الاهتمام، لأن هذه الممارسة طبيعية وضرورية ومن يعجز عنها وعن إدارتها يفقد كثيرا من الفرص المهمة له وأسرته وزملائه وأصدقائه. وهناك مسؤولية أخرى تكبر مع موضع الشخص في محيطه. فالقائد في مكان العمل مسؤول عن فتح الباب للاحتفال في الوقت المناسب، هي مسؤولية دفع بالحدث إلى الظهور، مسؤولية سماح بحدوث الفعالية، مسؤولية تقديم الدعوة في الوقت المناسب. تدخل الرتابة ويعم الذبول في الأماكن التي ينام فيها أصحاب القرار عن هذه المسؤولية.
ليس بالضرورة أن يكون الاحتفال قائما على احتفال ضخم يجمع عددا كبيرا من الناس. كثير من الاحتفالات الصغيرة تمنح ما لا تمنحه الاحتفالات الكبيرة، ولكل سياق ما يلائمه. فحوى الاحتفال في معناه، ومعناه مرتبط بالتوقف أولا ثم ما يلي ذلك من اعتراف وتقدير وبهجة وسعادة. يمنح الاحتفال ما يأخذه الزمن منا، فالزمن لا يتوقف، ما يجعلنا ننسى أن نعتبر أو نفهم أو نلاحظ ونفتكر، وهنا يعطينا الاحتفال ظروفا مؤقتة تثبت السياق برهة وتسمح لنا بممارسة تلك الطقوس التي تعكس المعنى. نحن دائما نقلل من مثبتات السياق هذه من الاحتفال حتى التأمل والتدبر والمحاسبة، وهي أهم ما يمكن للإنسان فعله ليشعر بقيمة ما يفعل.
ومن أدبيات الاحتفال تقمص ظروفه، واختيار العبارات الملائمة، والتواصل مع الجميع. أكثر من يستفيد من الاحتفال هم الأقل حظا في التواصل مع الغير. لهذا يجيد القادة الوصول إلى هؤلاء وتفيض عباراتهم بالاعتراف والثناء والتقدير.
مثل هؤلاء القادة يعرفون كيف يميزون بين ظروف الاحتفال وظروف المحاسبة، فالاحتفال ليس فرصة للمحاسبة. ويعرفون كيف يجعلون الاحتفال متزنا، في تقدير ما سبق وتحفيز ما سيأتي، ومدخلا للامتنان والبهجة. هناك من يقاوم الخروج عن المألوف في الاحتفال ويربطه بالفوضى. قد يتكرر أسلوب الاحتفال عندما تتكرر المناسبة ونعتاد عليها، زواج، نجاح دراسي... إلخ، لكن عندما تختلف المناسبة يجب أن يختلف الاحتفال.
هناك اليوم كثير من أشكال الإنجاز المختلفة ومظاهر الإنتاجية المتنوعة في كل السياقات الاجتماعية، وهذا الأمر يتطلب تجديدا للاحتفال وطقوسه ومهاراته. كل من يعمل في أي سياق سيجد فرصة للاحتفال بشيء ما في نهاية العام، في محيط ذاته، بيته، وعمله. ولهذا، يجب علينا جميعا أن نحسن من مهارات الاحتفال ونجدد ممارساته ولا ننقطع عنه، فالاحتفال حق وواجب.

إنشرها