بحثا عن "منطق"

من المرويات الشهيرة في عالم الفلسفة وعوالم اليونان القديمة وأهلها قصة تقول، قام "بروتاغوراس" بتعليم "يوثالوس" فن المرافعة والخطابة ليصبح محاميا، ولتشجيع تلميذه على التعلم بأفضل شكل ممكن، قدم له اتفاقا بألا يدفع "يوثالوس" أي شيء من تكاليف دراسته، إلا في حال كسبه لقضيته الأولى في المحكمة.
لتسهيل القراءة - والكتابة على - فلنسمي المعلم الرجل الأول، والطالب الرجل الثاني، وما حدث أن الأول انزعج جدا، فبعد أن قضى ساعات طويلة في تدريس تلميذه فنون المرافعة وأوصله لمرحلة تؤهله إلى العمل محاميا، بدأ الثاني يهتم بالموسيقى وأخذ يفكر في تغيير المهنة.
رفع الأول قضية ضد الثاني في المحكمة، وطالبه بأن يدفع له ذاك تكاليف التدريس.
تفكير الأول هو أنه سيربح كيفما كانت نتيجة القضية. فإن ربح، فعلى الثاني أن يدفع التكاليف. وإن خسر، ففي هذه الحالة يكون تلميذه قد ربح قضيته الأولى، وبالتالي فعليه أن يحقق شرط الاتفاق الأساس، وهو الدفع له.
الثاني يعتقد العكس تماما. فإن هو خسر القضية، فهذا يعفيه من دفع التكاليف حسب الاتفاق، وإن هو ربح القضية، فهذا يعني أن معلمه لا يستطيع فرض طلبه أمام المحكمة، وبالتالي لن يدفع في هذه الحالة أيضا.
تورد هذه القصة في ثنايا الحديث عن المنطق والفلسفة بغض النظر عن صحتها، والأهم دقة روايتها وتفاصيلها، والشاهد أنه لا يمكن أن يكون الاثنان على حق، والسؤال الذي يطرحه الفلاسفة منذ ذلك الحين، من المخطئ بينهما في حساباته المنطقية؟
وصف حساباتهما بأنها منطقية يجعل من الصعب التفكير في الاختيار بينهما، لكن ماذا عن الحسابات الأخرى، حسابات الرياضيات والمعادلات مثلا، أو حسابات العاطفة، إذ يمكن لأهل الرياضيات إيجاد معادلة أو متسلسلة أو متوالية لإيجاد نسب وفرص الفوز، أما عاطفيا فالأغلبية سيعدون الثاني هو الفائز في كل الاحوال، فقد تعلم صنعة يأكل منها، وأرضى شغفه الشخصي، أي اكتسب علما وفنا معا.
السؤال الذي لم يطرح هو ماذا كان الحكم إن كان ثمة حكم صدر، وإلى أي مرجعية سيرجع القاضي في حكمه، إلى المنطق الذي أوصل الطرفين إلى تساوي الربح والخسارة، أو إلى الشرعة التي كان معمولا بها في حينه، أو ربما هو سيطردهما لإضاعة وقت المحكمة في قضية لا عقد مكتوب فيها، ولا جريمة واضحة.
يبدو الحل في عقد مجلس صلح فلسفي، لكن المجلس معقود منذ لك الحين بحثا عن "منطق" في القضية قبل "المنطق" في الحكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي