Author

تعديل مخالفات العمل .. للتطوير لا للعقاب

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أصدرت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أخيرا قرارا مهما بتعديل مخالفات نظام العمل ولوائحه والقرارات الوزارية المنفذة له، وجاء هذا التعديل استجابة لكثير من الملاحظات والتعليقات الناشئة من أغلب منشآت القطاع الخاص، الذي يعكس تجذر مبدأ المشاركة، وروح العمل التكاملي بين الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص، وأن مفهوم الإشراف والرقابة والمتابعة الذي تتولى مسؤولياته الأجهزة الحكومية، قائم بالدرجة الأولى على الإصلاح والتطوير بما يخدم الأطراف كافة، وبما تصب نتائجه الإيجابية في نهاية المطاف لمصلحة الاقتصاد الوطني، وبما يلبي احتياجات ومتطلبات كل من منشآت القطاع الخاص والمجتمع على حد سواء، وأن الغاية النهائية من الجهود والأنظمة والسياسات هي تطوير بيئة الأعمال ودعم مكوناتها بمستوياتها كافة، ورفع معدل الامتثال لأحكام نظام العمل - وفقا للحالة هنا - من قبل الأطراف ذات العلاقة، هو الركيزة الأساسية وما يمثله من أهمية قصوى لأحد أهم جوانب الاستقرار التنموي على مستوى حماية حقوق الأطراف كافة في سوق العمل المحلية بشكل عام، وحماية التوطين على وجه الخصوص، وأن إيقاع العقوبة هو الخيار الأخير إذا ما أغلقت جميع الأبواب الأخرى.
من هذا المنطلق، قوبل هذا القرار بكثير من الترحاب من لدن الأطراف كافة، في الوقت ذاته الذي كفل المحافظة على الالتزام بالنظام ولوائحه والقرارات التنفيذية المرتبطة به، ضمن عملية متوازنة تستهدف رفع معدل الامتثال إلى أعلى مستوياته الممكنة، وفي الوقت ذاته خفض الأعباء المترتبة على أي مخالفات محتملة إلى أدنى مستوياتها، بل إيجاد الخيارات البديلة التي يمكن لها أن تسهم في الخروج بفوائد إيجابية كما سيأتي إيضاحه تاليا.
كان من أبرز التغييرات التي تضمنها قرار التعديل، هو ملاءمة الغرامات المالية المترتبة على المخالفات لحجم المنشأة، وبناء على جسامة المخالفة، فقام القرار بتصنيف منشآت القطاع الخاص إلى ثلاث فئات رئيسة وفقا لعدد العاملين لديها، الفئة (أ): المنشآت التي يعمل لديها 51 عاملا فأكثر. الفئة (ب) المنشآت التي يعمل لديها بين 11 و50 عاملا. الفئة (ج) المنشآت التي يعمل لديها عشرة عمال فأقل. كما أخضعت الاعتماد النهائي للمخالفة لإجراءات صارمة بدءا من تقييد وضبط المراقب لها، مرورا بتدقيقها من فريق عمل من ذوي الخبرة القانونية والرقابية، والتأكد من صحة المخالفة المضبوطة من عدمها، ثم البت فيها إما بالقبول وإما الرفض أو حتى إعادة زيارة المنشأة، وفي حال ثبوت صحة المخالفة المضبوطة واكتمال أركانها، يتم إصدار القرار الإداري بالمخالفة آليا عبر النظام الإلكتروني، وإشعار صاحب العمل رسميا بها عبر وسيلة التواصل المسجلة في نظام الوزارة.
كما يوفر النظام إمكانية الاعتراض من قبل صاحب العمل من خلال النظام، وتقديم طلب الاعتراض إلى مركز الاعتراضات في الوزارة خلال 60 يوما من تاريخ تبليغه بالقرار الإداري، ومن ثم سيقوم فريق مكون من ذوي الخبرة الرقابية والقضائية العالية بالبت في طلب الاعتراض. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أتاح المجال أمام صاحب العمل المخالف للتقدم بطلب تسوية عبر الخدمة الإلكترونية، والاستفادة من المبادرات الخاصة بالتسويات، التي من أبرزها تخفيض قيمة الغرامة على المخالفات المضبوطة خلال أول زيارة تم رصدها أيا كان عدد المخالفات 80 في المائة (سابقا كان مسموحا بالتسوية فقط للمخالفة الأولى (مخالفة واحدة فقط) 70 في المائة)، كما تم تمديد فترة السماح بطلب تسوية المخالفات كافة ورفع نسبة التخفيض إلى 80 في المائة، مقابل توظيف عامل سعودي عن كل مخالفة (سابقا كانت النسبة 70 في المائة، واشتراط رفع طلب التسوية خلال 90 يوما من تاريخ تبليغ المخالف بالقرار الإداري).
أما بالنسبة إلى المنشآت الناشئة ورواد الأعمال خلال العام الأول لها من بداية ممارسة أول نشاط لها، فقد تم الاكتفاء بإرشادها والاستمرار بتقديم النصح لها بما يحافظ على استدامتها، ويسمح بنموها واستمرار نشاطها، هذا إضافة إلى إطلاق وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية خدمة "إدارة مواقع المنشأة" على منصة قوى، التي يتم من خلالها قياس وتحديد درجة التزام منشآت القطاع الخاص بالتوطين إلكترونيا.
يحمل هذا التعديل المهم لمخالفات نظام العمل ولوائحه والقرارات الوزارية المرتبطة به دلالات إيجابية للاقتصاد الوطني عموما، ولبيئة سوق العمل المحلية على وجه الخصوص، لعل من أهمها في هذا السياق، أنها ستسهم بصورة كبيرة في تحقيق الاستقرار المنشود لمنشآت القطاع الخاص، وتقديم الدعم اللازم لنموها وتوسعها مستقبلا، كما ستساعد على تنمية القطاع الخاص وترسيخ دوره التنموي والاقتصادي، إضافة إلى دعم رواد الأعمال، وتمهيد السبل أمامهم لمزيد من مشاركتهم في مختلف أنشطة الاقتصاد الوطني، وتوسيع فرص إيجاد مزيد من فرص العمل المأمولة والملائمة أمام الشرائح الواسعة العدد من الموارد البشرية المواطنة الباحثة عن عمل، هذا أيضا ما سيؤدي إلى تطوير بيئات عمل أكثر جاذبية أمام الباحثين عن عمل، وجعلها بيئات أكثر استدامة للعاملين فيها بشكل عام، والعمالة المواطنة على وجه الخصوص، وكل هذا في المجمل سيؤدي أيضا إلى رفع معدلات الامتثال بالنظام واللوائح التنفيذية والقرارات ذات العلاقة من قبل منشآت القطاع الخاص.
ختاما، تأتي تلك الإصلاحات المستمرة، والجهود المبذولة لأجل التطوير، ضمن مستهدفات أوسع تتسم بالأهمية التنموية الكبيرة، التي تأخذ بعين الاعتبار العمل المتكامل والمشترك بين الأجهزة الحكومية ومنشآت القطاع الخاص لأجل خفض معدل البطالة، والعمل المستمر لأجل إيجاد مزيد من فرص العمل الكريمة والملائمة أمام الموارد البشرية المواطنة، والمساهمة بدورها في تحسين مستويات الدخل، وتوفير أكبر قدر ممكن من خيارات تحسين ورفع جودة الحياة للأفراد والأسر، وهو الهدف الأهم الذي يتقدم على أي مستهدفات أخرى في هذا المجال، وهو أيضا ما وجد في روح تلك التعديلات الإيجابية الأخيرة، وفي الوقت ذاته لم تغفل أهمية الالتزام والامتثال الواجب بالنظام ولوائحه، إلا أنه جاء هذه المرة أكثر توازنا وأكثر مرونة وبما لا يتسبب في وقوع أضرار أكبر من العوائد المستهدفة، وأن الأولوية دائما لمصلحة نمو القطاع الخاص الذي ستعود فوائده على الاقتصاد والمجتمع.
إنشرها