ماذا استفدنا من الجائحة؟
الأزمات في عالمنا لها صفتا الدورية والمفاجئة، ولا سيما إذا ما فحصنا التاريخ الاقتصادي منذ وجود البشرية على الأرض، ثم إن ضجيج الأسواق أصبح أمرا طبيعيا بعد تطور الأسواق المالية والتجارة عبر البحار، إلا أن الواقع الاقتصادي وما يعيشه الناس هو المعيار الأساسي الذي يتعين أن نحتكم إليه، ورغم تباين الهيكل الاقتصادي السياسي العالمي للدول أثبتت السعودية أنها دولة تعمل وفق أسس اجتماعية واقتصادية وعلمية صلبة. ويأتي هذا النجاح نتيجة طبيعية لما يوليه حكامنا في إدارة شؤون البلاد منذ تأسيس المملكة. ولا سيما أن لكل حقبة في تاريخنا الاقتصادي والاجتماعي ظروفا غير متماثلة، إلا أن "رؤية 2030" مهدت لنا سبل تفكير جديدة وغيرت أسلوب إدارة الاقتصاد والاستثمار والتنمية حتى باتت إدارتنا ديناميكية ومتفاعلة مع قضايا العالم الاقتصادية والاجتماعية والصحية.
التحديات التي واجهت اقتصادنا في 2020 كبيرة، انكمشت بنسبة 4.1 في المائة وتراجعت الصادرات غير النفطية بنسبة 24.2 في المائة وصادرات النفط الخام 40 في المائة، وتراجع ميزان المدفوعات وبعجز 74 مليار ريال، أي: 2.8 في المائة من الناتج المحلي.
أثبت صناع السياسات الاقتصادية أن اقتصادنا لديه قدرات كامنة، وظهرت بشكل واضح في أزمة كوفيد - 19 من خلال الاستفادة من قدرات البلاد المالية والائتمانية في تأمين معدلات جديدة من الكفاءة الائتمانية دون أن تتخطى الديون حاجز 30 في المائة من إجمالي الناتج المحلي وفي الوقت ذاته تعلمنا دروسا من أن الموازنة بين المدخرات الوطنية من النقد الأجنبي والاستفادة من الجدار الائتمانية والمدعومة أصلا برصيد قدرة إنتاج 12 مليون برميل يومي، اكتشفنا مدى ثقة العالم باقتصادنا وحصلنا على أسعار فائدة تنافسية.
كما أن نهج "رؤية 2030" المنظم ساعدنا على تصميم سياسات مالية احتوائية كثيرة ومتنوعة، لكن سأذكر مثالين فقط، تحمل الدولة رواتب العاملين في القطاع الخاص بمعدل 60 في المائة، وتغطية ملاك الوحدات الاقتصادية الخاصة 30 في المائة فقط من أجر الموظفين الشهرية للقطاعات المتأثرة من إغلاق الاقتصاد لفترة طويلة، ومن أهم نتائجها الحد من البطالة وضمان الاستقرار الاجتماعي، وفي الوقت نفسه واصل البنك المركزي تقديم مبادرات للمصارف حتى وصل العرض النقدي الواسع إلى تريليونين و149 مليار ريال سعودي، وبما أن العرض النقدي عال والوضع الاقتصادي لا يحمل أي حالات يقين قريبة، صعدت سوق الأسهم السعودية وبلغت قيمة الأسهم المتداولة للسوق الرئيسة 2,088 مليار ريال مسجلة بذلك نجاحا جديدا وبتغير إيجابي 137 في المائة عن العام السابق.
أخيرا: تعلمنا دروسا متنوعة وكثيرة ومهمة من الجائحة ولعل أهمها على الإطلاق أن الإدارة السياسية الناجحة كانت عنصرا حاسما في تحقيق النجاح الاقتصادي والصحي عبر حكومة رشيقة قادرة على الجمع بين تحقيق مستهدف رؤية 2030 من أجل الازدهار، وفي الوقت نفسه إدارة أزمة تعد الأكثر تعقيدا في القرن.