ديون متراكمة .. الأزمة عميقة

أصبحت أزمة الديون في العالم خطرا وشبحا مستمرا يهدد مؤشرات الاقتصاد العالمي ويعوق نموه، وبدأت المنظمات الدولية المهتمة بدراسة مشكلات الاقتصاد العالمي تدرك بقوة حجم كارثة الدين، وأن هناك شعورا زائفا بالاستقرار مع إعلان ست دول تخلفها عن دفع الديون، وهي، الأرجنتين، الإكوادور، لبنان، بليز، سورينام، وزامبيا.
ويشير الخبراء الاقتصاديون إلى أن ذلك أدى إلى سوء فهم لمدى خطورة الوضع، وأن الاستجابة لكوفيد - 19، وللجوانب المالية الناجمة عنه كانت منقسمة، وذلك الانقسام الجيوسياسي لن يكون عاملا مساعدا على مواجهة العالم لأزمة الدين العام.
المختصون عدوا أن اقتراض دول كبيرة متوسطة الدخل بكثافة في عام الوباء أغلبه من السوق المحلية، حيث أسعار الفائدة عالية مقارنة بأسعار الفائدة قرب الصفر المتوافرة للاقتراض في الدول المتقدمة، يعد إشارة في غاية السوء.
وهناك شعور زائف باستدامة الدين، لكن هناك خطر المفاجآت الكارثية، خاصة إذا كان التعافي أبطأ من المتوقع بسبب بطء حصول تلك الدول على اللقاحات.
إن التحذيرات من مخاطر ارتفاع الديون العالمية لا تتوقف من جانب المؤسسات الدولية، وخلال العامين الماضيين ارتفعت هذه الديون بصورة وضعت تحت الأرقام أكثر من تساؤل، وشملت كل الدول تقريبا، بما في ذلك الدول المتقدمة التي بلغت ديون بعضها ضعفي ناتجها المحلي الإجمالي.
وفي ظل انفجار جائحة كورونا في أواخر 2019، رفعت الحكومات من مستويات اقتراضها لتمويل مخططات الإنقاذ التي أطلقتها لمواجهة التداعيات الاقتصادية للجائحة، وبدا واضحا، أن لا حلول أمام هذه الحكومات سوى الاقتراض، على الرغم من أن مستوى ديونها العامة كان مرتفعا أصلا قبل كورونا، وتعزز مسار الاقتراض مع الانكماش الذي ضرب الاقتصاد العالمي العام الماضي، خصوصا مع متحورات كوفيد - 19 التي ظهرت هناك، وأدت إلى تأخر مرحلة النمو المأمولة، أو على الأقل أسهمت في خفض وتيرة هذا النمو.
خلال العام الماضي قفزت الديون العالمية إلى 226 تريليون دولار، بحسب صندوق النقد الدولي، مسجلة أكبر ارتفاع لها منذ الحرب العالمية الثانية، والخوف الحاضر الآن، أن تزيد الفائدة أكثر من المتوقع، مع تعثر مسار النمو الذي يعلق العالم عليه آمالا كبيرة لعودة عجلة الاقتصاد العالمي إلى الدوران كما كانت قبل كورونا.
المخيف في الأمر، أن حجم الديون العالمية وصل إلى 256 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام الماضي، بزيادة 28 نقطة مئوية، وهذا يفتح المجال أمام مخاوف متعددة، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان، أوضاع هذه الديون في الدول الفقيرة أو النامية، التي كانت تعاني أصلا ضغوطا قبل الجائحة، وخطر عجز بعضها عن السداد.
ولأن الأمر كذلك، جمدت مجموعة العشرين مطلع العام الماضي ديونها للدول النامية، والفقيرة، وجدولت مواعيدها، وبحثت أيضا إلغاء بعضها.
وتشجع المؤسسات الاقتصادية الدولية خطوات الإلغاء هذه، على أن تكون محسوبة بصورة دقيقة، لكيلا تعود ديون بعض هذه الدول إلى الارتفاع مجددا إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها، ولا سيما في ظل نمو اقتصادي مهزوز حتى الآن عالميا. والاقتراض الحكومي شكل في الواقع نصف الزيادة الأخيرة لديون العالم، إلا أن ديون الأسر، والقطاع الخاص لم تكن منخفضة أيضا، بسبب الحالة الاقتصادية العامة.
الديون عموما، ينظر إليها المراقبون على أنها بمنزلة "قنابل موقوتة"، خاصة في الدول التي تعاني مشكلات اقتصادية مختلفة، ففي مطلع العام الجاري تخلفت ست دول عن السداد، وفق تقارير للبنك الدولي، والخوف أن يرتفع عددها بنهاية العام الجاري، رغم كل المحاولات التي تبذلها الدول المحورية على الساحة العالمية، لتخفيف المخاطر الناجمة عن الديون.
كل شيء بات مرتبطا بالانتعاش الاقتصادي المأمول دوليا، وهذا الأخير يتسم بالغموض حاليا، نتيجة عودة عدد من الدول إلى الإغلاق الجزئي لمواجهة المتحور الجديد والسريع الانتشار أوميكرون، فلا يمكن خفض مستويات الدين العالمي إلا بحراك اقتصادي نشط يشمل كل القطاعات، ولذلك، فإن الضغوط الناجمة عن ارتفاع الديون ستتواصل على الساحة، وستكون أشد في بعض الدول الضعيفة اقتصاديا، فحجم الديون في الأسواق الناشئة ارتفع في الربع الثاني من العام الجاري 3.5 تريليون دولار ليصل إلى نحو 92 تريليون دولار. لكن النمو الاقتصادي في هذه الأسواق سيكون مرتفعا في المرحلة المقبلة، أو بعد استكمال مواجهة كورونا والتقليل من آثارها، ما يخفف الأعباء والمخاطر في آن معا. الديون العالمية تبقى في النهاية مشكلة مستمرة، ولا سيما في ظل الأزمات الكبرى التي قد تظهر من وقت لآخر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي