Author

تحديات سياسة السويد في مواجهة وباء كورونا

|
أستاذ جامعي ـ السويد
قبل نحو عام ونصف العام، وحين كانت الجائحة في بدايتها، دشنت السويد سياسات وإجراءات تشذ عن باقي دول العالم. وبينما كان الناس في خوف وخشية من المقبل من الأيام، والدول تتخذ إجراءات وقائية صارمة تصل إلى حد الغلق العام، كانت السويد تبث رسائل طمأنينة مفادها أن لا داعي للقلق وتحث مواطنيها على ممارسة الحياة بصورة طبيعية.
وانقسم السويديون بين مؤيد ومعارض. المعارضون كان يرون أن الإصابات والوفيات الناتجة عن تفشي الجائحة في البلد كانت أضعاف ما لدى الدول الاسكندنافية المجاورة التي اتخذت مسارا مختلفا في مواجهة الوباء.
ونشرت "الاقتصادية" في حينها سلسلة مقالات لتقييم التجربة السويدية. وصارت التجربة مادة دسمة للإعلام في الغرب والشرق، يتناولها الصحافيون والباحثون بإسهاب، منهم من يشيد بها ومنهم من يرى فيها ضررا كبيرا.
وكان على رأس التجربة السويدية الفريدة والغريبة في كثير من أوجهها في مواجهة الوباء عالم أوبئة سويدي هو أندش تكنيل.
ربما لم يرد ذكر اسم عالم في مجال محاربة الجائحة على ألسنة الصحافة والإعلام مثل اسم تكنيل. لقد كان في مستهل الجائحة وإلى فترة طويلة بعدها أشهر من نار على علم.
ونال تكنيل المديح والذم في آن، ولا سيما داخل السويد.
وأتذكر الوثيقة التي وقعها أكثر من 1500 عالم سويدي، تهاجم فيه تكنيل وتدعوه إلى إعادة النظر في سياساته، خصوصا عندما أخذت الجائحة تفتك بكبار السن وصار عدد الضحايا بالآلاف.
وكان رد تكنيل قاسيا، مشابها لوجهه العبوس الذي كان يطل به يوميا للتحدث عن آخر المستجدات.
"قيموني بعد عام من الآن"، كان جوابه في تموز (يوليو) 2020.
وبعد مضي أكثر من عام على التحدي هذا، ومع زيادة كبيرة في الإصابات والحالات الحرجة في السويد في هذه الأيام، بدأ الناس حقا في تقييم سياسات تكنيل.
الملاحظ، يبدو أن تكنيل ذاته يشعر الآن أن دوره لم يعد مرغوبا فيه، بدليل غيابه عن المشهد وقيام المجموعة الحالية التي تقود سياسة مقاومة الجائحة باتخاذ إجراءات تعاكس تلك التي كانت سارية وهو على رأس الهرم.
لا أتوقع، ولا أظن هناك في السويد من يتوقع، أن يظهر تكنيل فجأة في الإعلام ويقدم ليس اعتذارا، بل توضيحا للأسباب التي جعلته يصر على نهجه اللين جدا في مواجهة الجائحة وذلك برفض غلق المدارس، والمقاهي والمطاعم وأماكن العمل وترك أمر التباعد الاجتماعي إلى قرار شخصي ورفض فرض ارتداء الأقنعة.
لقد دفعت السويد ثمنا كبيرا وغاليا، حيث بلغ عدد الوفيات من جراء الجائحة أكثر من 15 ألفا والإصابات بمئات الآلاف، الموقف الآن هو أن السويد لما كانت قد خسرت هذه الأعداد الكبيرة من الضحايا لو اتبعت سياسات قريبة مما لدى جيرانها.
اليوم يصل عدد المصابين إلى نحو 500 شخص حيث تتم معالجتهم في المستشفيات السويدية، وعدد المحتاجين إلى العناية المركزة إلى نحو 60 شخصا، وهي أرقام رغم خطورتها أقل بكثير من الأرقام الصادمة التي كانت سائدة في أوج الجائحة في فترة تكنيل.
بيد أن السويد قد تعلمت الدرس، وشرع الفريق الحالي الذي يقدم المشورة للحكومة في اتخاذ إجراءات ربما لم تكن في الحسبان في السابق، حيث يجري فرض ارتداء الأقنعة في الأماكن العامة والنقل العام والعمل على التعليم عن بعد. كان تكنيل، وينقل عنه حتى الآن، أكثر عالم أوبئة في العالم من المؤمنين بمناعة القطيع.
ويبدو أن تكنيل استثمر كل رأسماله في مبدأ مناعة القطيع، وكان يتوقع انحسار الوباء واتخاذه مسارات غير مخيفة أو مرضية حال إصابة نحو 70 في المائة من السكان بالفيروس.
بينما كان العالم ينتظر بفارغ الصبر الوصول إلى لقاح فعال، كان تكنيل ينتظر بفارغ الصبر وصول السويد إلى مرحلة مناعة القطيع ودون الحاجة إلى اللقاح.
واليوم يبدو أن الفيروس المسبب للجائحة من المناعة بمكان، حيث لا تنطبق عليه ما ينطبق على أقرانه من الفيروسات من حيث قواعد مناعة القطيع.
الفيروس يتفرع وصرنا أحيانا نخشى أن تفقد اللقاحات التي نملكها مناعتها في مواجهته.
وإن برهن الفيروس على شيء، فإنه علم تكنيل والسويد درسا، أسس هذا الدرس أن صار لدينا فيروس ليس لمناعة القطيع مكان في قاموسه.
إنشرها