من الكبسة للمسة للمجهول

"كبسة" الزر في لوحة المفاتيح التي غيرت حياة البشر بشكل عام بدأت في التلاشي أمام "اللمسة"، حيث يكاد يكون كل شيء رقميا، وتكاد الأجهزة الجديدة لا تضم مفتاحا لتضغطه، بل أيقونات وشاشات داخل شاشات لتلمسها.
اللاعبون في العوالم الافتراضية يريدون اليوم "إعادة تدوير اللمس"، أي البحث عن وسائل جديدة مغرية ومدهشة لإعادة ابتكار طرق اللمس وفاعليتها، وربما يذهب بعضهم إلى الخروج من المرحلة، مرحلة اللمس، إلى مرحلة لا أعرف ماذا ستكون لكن فلنسمها مبدأيا مرحلة "اللا شيء" أي أنه ليس عليك أن تفعل شيئا بيدك أو إصبعك أو حتى عينك، وهي مرحلة مرعبة ومغرية في أنها كفكرة نظرية، لكن فكرة أن تملي مقالك على جهاز بحجم كفك فيسوده، وربما يرسله إلى من تريد كانت تبدو مرعبة ومغرية قبل أعوام ليست بعيدة.
اليوم نقرأ في مقالات وتحليلات الكتاب والمتابعين في الغرب أن فكرة اللمس لم تعد كافية، أي لمس الشاشة لتنفيذ الأمر، فعرابي "الافتراض" يسعون إلى جعلك تشعر بملمس الشيء على شاشتك، ملمسه الذي تعرف، وربما "التعرف على ملمسه" بالنسبة إلى أجيال لاحقة لم تجرب لمس كثير من الأشياء واقعيا لأنها حبيسة المنازل والشاشات.
ماذا سيعني هذا؟ يعني أنه يمكن الوصول إلى مرحلة تزوير أو تشويه ملمس كثير من الأشياء، وبما أن اللمس يعطي أو يشعل مشاعر مختلفة تبعا لكل حالة، فيصبح في مقدور هؤلاء - أن نجحوا - زيادة التحكم في أحاسيس ومشاعر الناس تجاه الأشياء، ومن ثم تفاعلهم معها، وربما فكرتهم عنها، أي أنهم قد - وأشدد على قد - يزيد تحكمهم في الحواس الذي يعد جزءا من التحكم في العقل وأحكامه.
هذه ليست فكرة سينمائية إلا إذا كان هناك أحد سيدفع لي مقابلها، وليست فكرة تنبثق من نظرية مؤامرة، إنها انطباع من عايش كل هذا التسارع في الأشياء، ويلحظ على سلوك الناشئة تغيرات لا يمكن تجاهلها في تعاطيهم مع الافتراضي في مقابل الواقعي.
الأحداث تتلاحق في عوالم التقنية، وبالكاد يلتقط الناس أنفاسهم، ونحن الآباء والأمهات إذا كان لدينا صغار بالكاد نتعرف على كيفية التفريق بين ما هو لازم ليواكب أطفالنا العصر، وما هو "متعد" على فطرتهم وتشكيل عقولهم وعلاقاتهم بالناس والأشياء، أي علاقتهم بالحياة.
كان من ينتج التقنيات يعرف إلى أين هو ذاهب، اليوم نحن بإزاء متنافسين بعضهم لا يعرف الوجهة، يعرف فقط أنه يريد مزيدا من ضرب المنافسين، ومن الدولارات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي