الطريق البري .. روابط وقوة لوجستية
تمثل وسائل النقل بأنواعها كافة دعما أساسيا ومحركا لمؤشرات الاقتصادات الوطنية ونشاطاتها المتعددة، واهتمت السعودية منذ بداية حركتها التنموية بتشييد وسائل النقل من مطارات وموانئ وسكك حديدية وطرق برية سريعة قطعت الفيافي والصحاري والمناطق الجبلية الوعرة، وما زالت تطرح المشاريع المتطورة في هذا الجانب. ونجحت المملكة في تأسيس شبكة طرق برية سريعة على مستوى البلاد كلها، ما جعلها تتمدد إلى طرق خارجية للربط مع جيرانها من دول مجلس التعاون الخليجي، وتفعيل حركة التجارة فيما بينها وتسهيل عملية التنقل والسفر. فطرق النقل البرية وسيلة مهمة تحيي النشاطات ذات العلاقة بتطوير طرق التجارة، وتفتح منافذ ذات عوائد اقتصادية وتحيي مناطق جغرافية بأكملها.
وفي هذا الاتجاه جاء مشروع الطريق البري الرابط بين السعودية وعمان، الذي أعلن افتتاحه رسميا خلال زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للسلطنة، دلالات من كل الجوانب المطلوبة. على رأسها أنه يحقق محورا أساسيا من محاور رؤية المملكة 2030، وهدفا رئيسا لاستكمال حلقات الربط البري بين دول الخليج العربية كلها. وهذا الربط يدعم النشاط الاقتصادي والتنموي ومعه العلاقات المباشرة بين الدول الخليجية، كما أنه يعزز الأدوات اللوجستية لهذا الحراك هنا وهناك. إنه مشروع بارز له آثار متعددة بعيدة المدى، خصوصا أن هذا الطريق يمر بمناطق استراتيجية وجغرافية، من بينها حقول نفطية، إلى جانب دعم وتعزيز التبادل التجاري بين السعودية وعمان والزيادة من حجمه مستقبلا، الدولتان اللتان انخرطتا في مجموعة متنوعة من الاتفاقيات الاقتصادية، تستندان على أسس المنفعة المشتركة والأخوة الراسخة والمتينة.
وهذا الطريق يعد عالميا من ناحية تشييده، ونموذجيا لأنه تحدى الطبيعة القاسية في منطقة الربع الخالي، ولديه مزايا لا تنتهي. فقد اختصر زمن الرحلة بين المملكة والسلطنة من 18 ساعة إلى ست ساعات فقط، وهذا يدعم حركة النقل العامة والشحن، لكن النقطة المهمة هنا تلك الخاصة بتعزيز سلاسل الإمدادات، بينما يعيش العالم أزمات في هذا المجال، خصوصا في أعقاب انفجار جائحة كورونا قبل عامين تقريبا.
باختصار، إنه منفذ استراتيجي يدعم الاتفاقيات الاقتصادية، التي تجمع الرياض ومسقط في قطاعات مختلفة ومجالات متعددة، ودخولها بالفعل حيز التنفيذ، ولا سيما في ساحات المال والنفط والبتروكيماويات والنقل البحري وغير ذلك. فهذه الاتفاقيات بلغت قيمتها 30 مليار دولار، وهي قاعدة جديدة تستند إليها العلاقات الخاصة بين البلدين الشقيقين. الطريق الذي اخترق صحراء الربع الخالي بتكلفة وصلت إلى أكثر من 1.9 مليار ريال، سيسهم فورا في تعزيز حركة النقل من السعودية إلى عمان ومنها إلى موانئ الأخيرة نحو باقي دول المنطقة والعالم. أي أنه "ممر" لوجستي محوري اختصر مسافات، وخفض الوقت والتكاليف في مجال النقل. فالطريق بطول 725 كيلو مترا، وسيرفد بقية دول المنطقة بمزيد من التسهيلات على صعيد النقل والتبادل التجاري، خصوصا في ظل الورشة، التي تشهدها المملكة للوصول إلى مرحلة استكمال بناء خطة الاقتصاد المستدام، في موعدها، وبأعلى المعايير.
وستكون عوائد الطريق ذات أبعاد عديدة على مستوى المنطقة كلها، وتعزز مسار العلاقات الخليجية التجارية، كما أنه يأتي في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى مواصلة العمل من أجل تحقيق التكامل الإقليمي الحقيقي، الذي يستند إلى ما هو موجود على الأرض، وإلى الإمكانات، التي تتمتع بها الدول الخليجية. إن الآفاق، التي يفتحها هذا الطريق واسعة، سواء على الصعيد الاقتصادي من خلال دعم شبكة النقل لمسافات طويلة متطورة وآمنة، وفق أعلى المعايير العالمية، أو من جهة الفوائد، التي سيجنيها الخليجيون أنفسهم وسكان المنطقة، عبر تسهيل الحركة من عمان إلى المملكة لأغراض مختلفة، مثل السياحة والحج والعمرة والزيارات العائلية العادية. ومذكرات التفاهم، التي وقعت بين الرياض ومسقط، تصب في هذا الجانب الاجتماعي المهم.
الاتفاقيات المشار إليها شملت رفع كفاءة تشغيل الطريق بما يتناسب مع أهميته ومعجزته التصميمية. والجهات المختصة، التي أشرفت على بناء هذا الطريق وأزالت أكثر من 250 مليون متر مكعب من الرمال لاستكماله، وضعت هدفها الأول، وتشغيل الطريق بأعلى المعايير الدولية، وبتنسيق متواصل مع الجهات العمانية ذات الصلة.