اعصبوها برأسي

تابعت مشهدا عجيبا في أحد الشوارع الرئيسة المزدحمة في الرياض لسائقين يتحديان بعضهما بطريقة استفزازية، حيث كان كل واحد منهما يلحق بالآخر، ثم ينعطف عليه محاولا إيقافه وإخراجه على جانب الطريق. في تلك اللحظة أيقنت أن الغضب قد سيطر على عقليهما بحيث لم يعودا مدركين لخطورة فعلهما المتهور. كانت أبواق السيارات ترتفع من حولهما لإيقافهما عن هذا الفعل الأحمق. تذكرت في تلك اللحظة موقف عتبة بن ربيعة، أحد حكماء قريش الذي عرف بقوة شخصيته وشجاعته وبعد نظره. قال لقومه حين أرادوا خوض معركة بدر "دعوكم من هذه الحرب وعودوا إدراجكم واعصبوها برأسي وقولوا جبن عتبة"، لكن سادة قريش رفضوا مشورته رغم استعداده لتحمل الأمر حتى لو قالت العرب عنه أنه جبان، وكان من ضمن الذين رفضوا أبو جهل، حيث قال "لا والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنعسكر فيه وننحر الجزر ونطعم الطعام وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا بعدها"، ثم بعدها انتصر المسلمون في معركة بدر نصرا عظيما. الشاهد في هذا الموضوع أن صنديدا فارسا حكيما مثل عتبة بن ربيعة قال كلمته المشهورة التي سارت مثلا في التاريخ "اعصبوها برأسي وقولوا جبن عتبة"، لتؤكد لنا أن الانتصار للنفس والاندفاع المحفوف بالمخاطر هما قمة الجبن!
هذه الأفعال المتهورة للسائقين في الطرق، سواء داخل المدن أو طرق السفر السريعة، لها مخاطر مروعة لا تقتصر على أصحاب الفعل، بل تتعداهم إلى آخرين "ماشين بأمان الله"، كما أن عابري الطريق من المشاة قد يتعرضون للدهس بسبب السرعة التي لا يتم التحكم بها خلال وقت الغضب والاندفاع المسيطر على العقول المتهورة. أذكر أني سمعت حوارا رائعا لأحد المؤثرين الاجتماعيين قال فيه، "لم أعاند يوما سائقا متهورا أو أتحداه مهما كانت قيادته استفزازية، بل ببساطة، أفسح له الطريق وربما ألقيت عليه التحية بابتسامة لطيفة، وأنا أردد داخلي الله يكفيني والمسلمين شر تهورك". مثل هؤلاء الذين يتخذون من الطرق حلبة لتعويض النقص الموجود في شخصياتهم يجب علينا أن نتعامل معهم بطريقة حذرة وآمنة حفاظا على حياتنا وحياة الآخرين، ونبتعد تماما عن استفزازهم وإثارة مزيد من غضبهم وانفعالهم ونكتفي بتصوير لوحة السيارة وإرسالها إلى كلنا أمن أو إبلاغ المرور عن هذه المخالفة.
وخزة:
الطرق ليست ميدانا لاستعراض القوة وإثبات "المرجلة" وقمة الشجاعة أن تتحكم في أعصابك أمام رعونة وتهور سائق أحمق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي